روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَكَأَيِّن مِّنۡ ءَايَةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ يَمُرُّونَ عَلَيۡهَا وَهُمۡ عَنۡهَا مُعۡرِضُونَ} (105)

{ وَكَأَيّن مِن ءايَةٍ } أي وكم من آية قال الجلال السيوطي : إن { *كأي } اسم ككم التكثيرية الخبرية في المعنى مركب من كاف التشبيه وأي الاستفهامية المنونة وحكيت ، ولهذا جاز الوقف عليها بالنون لأن التنوين لما دخل في التركيب أشبه النون الأصلية ولذا رسم في المصحف نوناً ، ومن وقف عليها بحذفه اعتبر حكمه في الأصل ، وقيل : الكاف فيها هي الزائدة قال ابن عصفور : ألا ترى أنك لا تريد بها معنى التشبيه وهي مع ذا لازمة وغير متعلقة بشيء وأي مجرورها ، وقيل : هي اسم بسيط واختاره أبو حيان قال : ويدل على ذلك تلاعب العرب بها في اللغات ، وإفادتها للاستفهام نادر حتى أنكره الجمهور ، ومنه قول أبي لابن مسعود : كأين تقرأ سورة الأحزاب آية ؟ فقال : ثلاثاً وسبعين ، والغالب وقوعها خبرية ويلزمها الصدر فلا تجر خلافاً لابن قتيبة . وابن عصفور ولا يحتاج إلى سماع ، والقياس على كم يقتضي أن يضاف إليها ولا يحفظ ولا يخبر عنها إلا بجملة فعلية مصدرة بماض أو مضارع كما هنا ، قال أبو حيان : والقياس أن تكون في موضع نصب على المصدر أو الظرف أو خبر كان كما كان ذلك في كم . وفي البسيط أنها تكون مبتدأ وخبراً ومفعولاً ويقوال فيها : كائن بالمدّ بوزن اسم الفاعل من كان ساكنة النون وبذلك ، قرأ ابن كثير { *وكأ } بالقصر بوزن { عَمَّ } { *وكأى } بوزن رمي ، وبه قرأ ابن محيصن { *وكيىء } بتقديم الياء على الهمزة . وذكر صاحب اللوامح أن الحسن قرأ { *وكي } بياء مكسورة من غيرهمز ولا ألف ولا تشديد و { مِنْ ءايَةً } في موضع التمييز و { مِنْ } زائدة ، وجر تمييز كأين بها دائمي أو أكثري ، وقيل : هي مبينة للتمييز المقدر ، والمراد من الآية الدليل الدال على وجود الصانع ووحدته وكمال علمه وقدرته ، وهي وإن كانت مفردة لفظاً لكنها في معنى الجمع أي آيات لمكان كائن ، والمعنى وكاي عدد شئت من الآيات الدالة على صدق ما جئت به غير هذه الآية { فِي السماوات والارض } أي كائنة فيهما من الإجرام الفلكية وما فيها من النجوم وتغير أحوالها ومن الجبال والبحار وسائر ما في الأرض العجائب الفائتة للحصر :

وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد

{ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا } يشاهدونها { وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } غير متفكرين فيها ولا معتبرين بها ، وفي هذا من تأكيد تعزيه صلى الله عليه وسلم وذم القوم ما فيه ، والظاهر أن { فِي السموات * والارض } في موضع الصفة لآية وجملة { يَمُرُّونَ } خبر { *كأين } كما أشرنا إليه سابقاً وجوز العكس ، وقرأ عكرمة . وعمرو بن قائد { السماء والارض } بالرفع على أن في السموات هو الخبر لكأين { والارض } مبتدأ خبره الجملة بعده ويكون ضمير { عَلَيْهَا } للأرض لا للآيات كما في القراءة المشهورة ، وقرأ السدى { والارض } بالنصب على أنه مفعول بفعل محذوف يفسره { يَمُرُّونَ } وهو من الاشتغال المفسر بما يوافقه في المعنى وضمير { عَلَيْهَا } كما هو فيما قبل أي ويطؤون الأرض يمرون عليها ، وجوز أن يقدر يطؤن ناصباً للأرض وجملة { يَمُرُّونَ } حال منها أو من ضمير عاملها . وقرأ عبد الله { والارض } بالرفع و { يَمْشُونَ } بدل يمرون والمعنى على القراآت الثلاث أنهم يجيئون ويذهبون في الأرض ويرون آثار الأمم الهالكة وما فيها من الآيات والعبر ولا يتفكرون في ذلك .