التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ مُسَخَّرَٰتٖ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱللَّهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (79)

ثم حض - سبحانه - عباده على التفكر في مظاهر قدرته فقال - تعالى - : { أَلَمْ يَرَوْاْ إلى الطير مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السمآء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الله } .

والطير : جمع طائر ، كركب وراكب . و { مسخرات } ، من التسخير ، بمعنى : التذليل والانقياد ، أي : ألم ينظر هؤلاء الذين أشركوا مع الله آلهة أخرى في العبادة ، إلى الطيور وهن يسبحن في الهواء المتباعد بين الأرض والسماء ، ما يمسكهن في حال قبضهن وبسطهن لأجنحتهن إلا الله - تعالى - ، بقدرته الباهرة ، وبنواميسه التي أودعها في فطرة الطير .

إنهم لو نظروا نظر تأمل وتعقل ، لعلموا أن المسخر لهن هو الله الذي لا معبود بحق سواه ، وفي قوله - تعالى - : { مسخرات } ، إشارة إلى أن طيرانها في الجو ليس بمقتضى طبعها ، وإنما هو بتسخير الله تعالى لها ، وبسبب ما أوجد لها من حواس ساعدتها على ذلك ، كالأجنحة وغيرها . وأضاف - سبحانه - الجو إلى السماء لارتفاعه عن الأرض ، ولإظهار كمال قدرته - سبحانه - .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : { إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .

أي : إن في ذلك التسخير والتذليل للطير على هذه الصفة ، { لآيات } بينات على قدرة الله - تعالى - ووحدانيته ، { لقوم يؤمنون } بالحق ، ويفتحون قلوبهم له ، ويسمون بأنفسهم عن التقليد الباطل .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ مُسَخَّرَٰتٖ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱللَّهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (79)

77

وعجيبة أخرى من آثار القدرة الإلهية يرونها فلا يتدبرونها وهي مشهد عجيب معروض للعيون :

( ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ، ما يمسكهن إلا الله . إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) . .

ومشهد الطير مسخرات في جو السماء مشهد مكرور ، قد ذهبت الألفة بما فيه من عجب ، وما يتلفت القلب البشري عليه إلا حين يستيقظ ، ويلحظ الكون بعين الشاعر الموهوب . وإن تحليقة طائر في جو السماء لتستجيش الحس الشاعر إلى القصيدة حين تلمسه . فينتفض للمشهد القديم الجديد . . ( ما يمسكهن إلا الله )بنواميسه التي أودعها فطرة الطير وفطرة الكون من حولها ، وجعل الطير قادرة على الطيران ، وجعل الجو من حولها مناسبا لهذا الطيران ؛ وأمسك بها الطير وهي في جو السماء : إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون . . فالقلب المؤمن هو القلب الشاعر ببدائع الخلق والتكوين ، المدرك لما فيها من روعة باهرة تهز المشاعر وتستجيش الضمائر . وهو يعبر عن إحساسه بروعة الخلق ، بالإيمان والعبادة والتسبيح ؛ والموهوبون من المؤمنين هبة التعبير ، قادرون على إبداع ألوان من رائع القول في بدائع الخلق والتكوين ، لا يبلغ إليها شاعر لم تمس قلبه شرارة الإيمان المشرق الوضيء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ مُسَخَّرَٰتٖ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱللَّهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (79)

ثم نبه تعالى عباده إلى{[16616]} النظر إلى الطير المسخر بين السماء والأرض ، كيف جعله يطير بجناحيه بين السماء والأرض ، في جو السماء ما يمسكه هناك إلا الله بقدرته تعالى ، الذي جعل فيها قوًى تفعل ذلك ، وسخر الهواء يحملها ، ويسر الطير لذلك ، كما قال تعالى في سورة الملك : { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } [ الملك : 19 ] . وقال هاهنا : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .


[16616]:في ف: "على".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ مُسَخَّرَٰتٖ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱللَّهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (79)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىَ الطّيْرِ مُسَخّرَاتٍ فِي جَوّ السّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنّ إِلاّ اللّهُ إِنّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .

يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين : ألم تَرَوا أَيّها المشركون بالله إلى الطير مسخرات في جوّ السماء ، يعني : في هواء السماء بينها وبين الأرض ، كما قال إبراهيم بن عمران الأنصاريّ :

وَيْلُمّها مِنْ هَوَاءِ الجَوّ طالِبَةً *** وَلا كَهذا الّذِي في الأرْضِ مَطْلُوبُ

يعني : في هواء السماء . { ما يُمْسِكُهُنّ إلاّ اللّهُ } ، يقول : ما طيرانها في الجوّ إلا بالله ، وبتَسْخِيره إياها بذلك ، ولو سلبها ما أعطاها من الطيران لم تقدر على النهوض ارتفاعا . وقوله : { إنّ فِي ذلكَ لاَياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ، يقول : إن في تسخير الله الطير وتمكينه لها الطيران في جوّ السماء ، لعلامات ودلالات على أن لا إله إلا اللّهُ وحدَه لا شريك له ، وأنه لا حظ للأصنام والأوثان في الألوهة . { لقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ، يعني : لقوم يقرّون بوجدان ما تعاينه أبصارهم وتحسه حواسّهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { مُسَخّرَاتٍ فِي جَوّ السّماءِ } : أي في كبد السماء .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ مُسَخَّرَٰتٖ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱللَّهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (79)

{ ألم يروا إلى الطير } ، قرأ ابن عامر وحمزة ويعقوب بالتاء على أنه خطاب للعامة . { مسخّرات } ، مذللات للطيران بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المؤاتية له . { في جوّ السماء } ، في الهواء المتباعد من الأرض . { ما يمسكهن } فيه ، { إلا الله } ، فإن ثقل جسدها يقتضي سقوطها ، ولا علاقة فوقها ولا دعامة تحتها تمسكها . { إن في ذلك لآيات } ، تسخير الطير للطيران بأن خلقها خلقة يمكن معها الطيران ، وخلق الجو بحيث يمكن الطيران فيه ، وإمساكها في الهواء على خلاف طبعها . { لقوم يؤمنون } ؛ لأنهم هم المنتفعون بها .