نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ مُسَخَّرَٰتٖ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱللَّهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (79)

ولما كان المقصود من تعداد هذه النعم الإعلام بأنه الفاعل بالاختيار وحده لا الطبائع ولا غيرها ، دلهم على ذلك مضموناً إلى ما مضى بقوله مقرراً لهم : { ألم يروا } بالخطاب والغيبة - على اختلاف القراءتين ؛ لأن سياق الكلام وسباقه يحتمل المقبل والمعرض بخلاف سياق الملك فإنه للمعرض فقط ، فلذا اختلف القراء هنا وأجمعوا هناك ، { إلى الطير مسخرات } ، أي : مذللات للطيران ، بما أقامهن الله فيه من المصالح والحكم بالطيران وغيره ، { في جو السماء } ، في الهواء بين الخافقين ، بما لا تقدرون عليه بوجه من الوجوه ، مع مشاركتكم لها في السمع والبصر ، وزيادتكم عليها بالعقول ، فعلم قطعاً ما وصل بذلك من قوله : { ما يمسكهن } ، أي : في الجو عن الوقوع .

ولما كان للسياق هنا مدخل عظيم في الرد على أهل الطبائع وهم الفلاسفة ، ولهم وقع عظيم في قلوب الناس ، عبر بالاسم الأعظم ، إشارة إلى أنه لا يقوى على رد شبههم إلا من أحاط علماً بمعاني الأسماء الحسنى ، فكان متمكناً من علم أصول الدين ، فقال : { إلا الله } ، أي : الملك الأعظم ؛ لأن نسبتكم وإياها إلى الطبيعة واحدة ، فلو كان ذلك فعلها لا ستويتم ؛ ثم نبههم على ما في ذلك من الحكم بقوله : { إن في ذلك } ، أي : الأمر العظيم من إخراجكم على تلك الهيئة ، والإنعام عليكم بما ليس لها ، وتقديرها على ما لم تقدروا عليه مع نقصها عنكم ، { لآيات } ، ولما كان من لم ينتفع بالشيء كأنه لم يملكه ، قال تعالى : { لقوم يؤمنون * } ، أي : هيأهم الفاعل المختار للإيمان .