إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ مُسَخَّرَٰتٖ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱللَّهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (79)

{ أَلَمْ يَرَوْاْ } ، وقرئ بالتاء . { إِلَى الطير } ، جمع طائر ، أي : ألم ينظروا إليها . { مسخرات } ، مذلّلاتٍ للطيران بما خلق لها من الأجنحة والأسبابِ المساعدة له ، وفيه مبالغةٌ من حيث إن معنى التسخيرِ : جعلُ الشيء منقاداً لآخرَ يتصرف فيه كيف يشاء ، كتسخير البحر والفُلك والدوابِّ للإنسان ، والواقعُ هاهنا تسخيرُ الهواء للطير لتطير فيه كيف تشاء ، فكان مقتضى طبيعةِ الطير السقوطَ ، فسخرها الله تعالى للطيران ، وفيه تنبيهٌ على أن الطيرانَ ليس بمقتضى طبعِ الطير ، بل ذلك بتسخير الله تعالى . { في جَوّ السماء } ، أي : في الهواء المتباعدِ من الأرضَ ، والسكاك واللوح أبعدُ منه ، وإضافتُه إلى السماء ؛ لما أنه في جانبها من الناظر ولإظهار كمالِ أجلّ القدرة . { مَا يُمْسِكُهُنَّ } في الجو حين قبْضِ أجنحتهن وبسطِها ووقوفِهن : { إِلاَّ الله } عز وجل ، بقدرته الواسعة ، فإن ثقلَ جسدها ، ورِقّةَ قوامِ الهواء ، يقتضيان سقوطَها ، ولا عِلاقةَ من فوقها ولا دِعامة من تحتها ، وهو إما حالٌ من الضمير المستتر في مسخّرات أو من الطير ، وإما مستأنف { إِنَّ في ذَلِكَ } ، الذي ذكر من تسخير الطير للطيران بأن خلقها خِلْقةً تتمكن بها منه ، بأن جعل لها أجنحةً خفيفة وأذناباً كذلك ، وجعل أجسادها من الخِفة بحيث إذا بسطت أجنحتها وأذنابَها لا يطيق ثقلها يخرق ما تحتها من الهواء الرقيق القوام ، وتخرق ما بين يديها من الهواء ؛ لأنها لا تلاقيه بحجم كبير . { لآيات } ظاهرة { لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ، أي : من شأنهم أن يؤمنوا ، وإنما خص ذلك بهم ؛ لأنهم المنتفعون به .