اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ مُسَخَّرَٰتٖ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱللَّهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (79)

قوله - تعالى- : { أَلَمْ يَرَوْاْ إلى الطير مُسَخَّرَاتٍ } ، الآية هذا دليلٌ آخر على كمال قدرة الله وحكمته .

قرأ ابن عامر{[19999]} وحمزة والكسائي : " ألَمْ تَروْا " ، بالتاء من فوق . والباقون : بالياء ، على الحكاية لمن تقدَّم ذكره من الكفَّار .

قوله : { مَا يُمْسِكُهُنَّ } ، يجوز أن تكون الجملة حالاً من الضمير المستتر في " مُسخَّراتٍ " ، ويجوز أن تكون حالاً من الطير ، ويجوز أن تكون مستأنفة .

ومعنى : " مُسخَّراتٍ " : مذللات ، " في جوِّ السَّماءِ " ، وهو : الهواءُ بين السَّماء والأرض ؛ قال : [ الطويل ]

فَلسْتُ لإنْسيٍّ ولكِنْ لمَلأكٍ *** تَنزَّلَ من جوِّ السَّماءِ يَصُوبُ{[20000]}

وقيل : الجوُّ : ما يلي الأرض في سمت العلوِّ ، واللوح والسُّكاك أبعد منه .

قال كعب الأحبار - رضي الله عنه- : إنَّ الطير يرتفع اثنا عشر ميلاً ولا يرتفع فوق هذا ، وفوق الجوِّ السُّكاك ، وفوق السُّكاك السماء ، و { مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الله }{[20001]} تعالى ، أي : في حال القبض ، والبسط ، و الاسطفاف ينزلهم كيف يعتبرونها في وحدانيَّته .

{ إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ، خصَّ هذه الآيات بالمؤمنين ؛ لأنَّهم هم المنتفعون بها .

فصل

جسد الطائر جسم ثقيل ، يمتنع بقاؤه في الجوِّ معلَّقاً بلا علاقة ولا دعامة ، فوجب أن يكون الممسك له في الجوِّ هو الله - تعالى- ، والظاهر أن إبقاءه في الجوِّ فعله باختياره ، وهذا يدلُّ على أنَّ فعل العبد خلق الله - تعالى- .

قال القاضي{[20002]} - رحمه الله- : إنَّما أضاف - تعالى - هذا الإمساك إلى نفسه ؛ لأنه - تعالى - هو الذي أعطى الآلات التي يمكن الطير بها من تلك الأفعال ، فلما كان - تعالى جلَّ ذكره - هو المسبب لذلك ، صحَّت هذه الإضافة .

والجواب : هذا تركٌ للظاهر من غير دليل .


[19999]:ينظر: الحجة 393، والإتحاف 2/187، والنشر 2/304، والقرطبي 10/100، والبحر 5/506.
[20000]:تقدم.
[20001]:ذكره البغوي في "تفسيره" (3/79).
[20002]:ينظر الفخر الرازي 20/73.