التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (18)

وقوله - سبحانه - : { بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } إضراب عن إرادة اتخاذ اللهو ، وإثبات لما تقتضيه ذاته - تعالى - مما يخالف ذلك .

والقذف : الرمى بسرعة . والاسم القذاف - ككتاب - ، وهو سرعة السير ، ومنه قولهم : ناقة قذاف - بكسر القاف - إذا كانت متقدمة على غيرها فى السير .

ويدمغه : أى ، يمحقه ويزيله ، قال القرطبى : وأصل الدمغ شج الرأس حتى يبلغ الدماغ .

أى : ليس من شأننا أن نتخذ لهوا ، وإنما الذى من شأننا وحكمتنا ، أن نلقى بالحق الذى أرسلنا به رسلنا ، على الباطل الذى تشبث به الفاسقون { فَيَدْمَغُهُ } أى : فيقهره ويهلكه ويزيله إزالة تامة .

والتعبير القرآنى البليغ ، يرسم هذه السنة الإلهية فى صورة حسية متحركة حتى لكأنما الحق قذيفة تنطلق بسرعة فتهوى على الباطل فتشق أم رأسه ، فإذا هو زاهق زائل .

قال الآلوسى : وفى إذا الفجائية ، والجملة الإسمية ، من الدلالة على كمال المسارعة فى الذهاب والبطلان مالا يخفى ، فكأنه زاهق من الأصل .

وقوله - تعالى - : { وَلَكُمُ الويل مِمَّا تَصِفُونَ } وعيد شديد لأولئك الكافرين الذين نسبوا إلى الله - تعالى - مالا يليق به ، ووصفوه بأن له صاحبة وولدا { سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } أى : ولكم - أيها الضالون المكذبون - الويل والهلاك ، من أجل وصفكم له - تعالى - بما لا يليق بشأنه الجليل .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (18)

إنما الناموس المقرر والسنة المطردة ألا يكون هناك لهو ، إنما يكون هناك جد ، ويكون هناك حق ، فيغلب الحق الأصيل على الباطل العارض :

( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ) . .

و( بل )للإضراب عن الحديث في موضوع اللهو ؛ والعدول عنه إلى الحديث في الواقع المقرر الذي تجري به السنة ويقتضيه الناموس . وهو غلبة الحق وزهوق الباطل .

والتعبير يرسم هذه السنة في صورة حسية حية متحركة . فكأنما الحق قذيفة في يد القدرة . تقذف به على الباطل ، فيشق دماغه ! فإذا هو زاهق هالك ذاهب . .

هذه هي السنة المقررة ، فالحق أصيل في طبيعة الكون ، عميق في تكوين الوجود . والباطل منفي عن خلقة هذا الكون أصلا ، طاريء لا أصالة فيه ، ولا سلطان له ، يطارده الله ، ويقذف عليه بالحق فيدمغه . ولا بقاء لشيء يطارده الله ؛ ولا حياة لشيء تقذفه يد الله فتدمغه !

ولقد يخيل للناس أحيانا أن واقع الحياة يخالف هذه الحقيقة التي يقررها العليم الخبير . وذلك في الفترات التي يبدو فيها الباطل منتفشا كأنه غالب ، ويبدو فيها الحق منزويا كأنه مغلوب . وإن هي إلا فترة من الزمان ، يمد الله فيها ما يشاء ، للفتنة والابتلاء . ثم تجري السنة الأزلية الباقية التي قام عليها بناء السماء والأرض ؛ وقامت عليها العقائد والدعوات سواء بسواء .

والمؤمنون بالله لا يخالجهم الشك في صدق وعده ؛ وفي أصالة الحق في بناء الوجود ونظامه ؛ وفي نصرة الحق الذي يقذف به على الباطل فيدمغه . . فإذا ابتلاهم الله بغلبة الباطل حينا من الدهر عرفوا أنها الفتنة ؛ وأدركوا أنه الابتلاء ؛ وأحسوا أن ربهم يربيهم ، لأن فيهم ضعفا أو نقصا ؛ وهو يريد أن يعدهم لاستقبال الحق المنتصر ، وأن يجعلهم ستار القدرة ، فيدعهم يجتازون فترة البلاء يستكملون فيها النقص ويعالجون فيها الضعف . . وكلما سارعوا إلى العلاج قصر الله عليهم فترة الابتلاء ، وحقق على أيديهم ما يشاء . أما العاقبة فهي مقررة : ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق )والله يفعل ما يريد .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (18)

وقوله : { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ } أي : نبين الحق فيدحض الباطل ؛ ولهذا قال : { فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } أي : ذاهب مضمحل ، { وَلَكُمُ الْوَيْلُ } أي : أيها القاتلون : لله ولد ، { مِمَّا تَصِفُونَ } أي : تقولون وتفترون .