وقوله - تعالى - : { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ ونخزى } كلام مستأنف لتقرير ما قبله من أن القرآن الكريم هو معجزة المعجزات ، وآية الآيات وأرفعها وأنفعها .
أى : ولو أنه أهلكنا هؤلاء الكافرين بعذاب الاستئصال ، من قبل مجىء الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليهم ومعه هذا القرآن الكريم معجزة له ، لقالوا على سبيل الاعتذار يوم القيامة : يا ربنا هلا أرسلت إلينا فى الدنيا رسولا من عندك ومعه المعجزات التى تدل على صدقه ، فكنا فى هذه الحالة اتبعنا آياتك التى جاءنا بها وصدقناه وآمنا به ، من قبل أن يحصل لنا الذل والهوان والخزى والافتضاح فى اللآخرة .
والمقصود من الآية الكريمة قطع أعذارهم ، أى : لو أنا أهلكناهم قبل ذلك ، لقالوا ما قالوا ، ولكنا لم نهلكهم بل أرسلنا إليهم رسلونا ، فبلغهم ما أرسلناه به ، فانقطع عذرهم ، وبطلت حجتهم .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { ولولا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين }
ولقد أعذر الله للمكذبين فأرسل إليهم خاتم المرسلين [ ص ]
( ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا : ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا ، فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى ) . .
وهم لم يذلوا ولم يخزوا لحظة أن كان هذا النص يتلى عليهم . إنما هو تصوير لمصيرهم المحتوم . الذي يذلون فيه ويخزون : فلعلهم حينذاك قائلون : ا أرسلت إلينا رسولا . . . )فها هي ذي الحجة قد قطعت عليهم ، فلم يعد لهم من عذر ولا عذير !
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ أَنّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبّنَا لَوْلآ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نّذِلّ وَنَخْزَىَ } .
يقول تعالى ذكره : ولو أنا أهلكنا هؤلاء المشركين الذين يكذّبون بهذا القرآن من قبل أن ننزله عليهم ، ومن قبل أن نبعث داعيا يدعوهم إلى ما فرضنا عليهم فيه بعذاب ننزله بهم بكفرهم بالله ، لقالوا يوم القيامة ، إذ وردوا علينا ، فأردنا عقابهم : ربنا هلا أرسلت إلينا رسولاً يدعونا إلى طاعتك ، فنتبع آياتك يقول : فنتبع حجتك وأدلتك وما تنزله عليه من أمرك ونهيك من قبل أن نذلّ بتعذبيك إيانا ونخزى به ، كما : حدثني الفضل بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخُدريّ ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «يَحْتَجّ عَلى اللّهِ يَوْمَ القيامَةِ ثَلاثَةٌ : الهَالِكُ فِي الفَتْرَةِ ، والمَغْلُوبُ عَلى عَقْلهِ ، والصّبيّ الصّغيرُ ، فَيَقُولُ المَغْلُوبُ عَلى عَقْلِه : لَمْ تَجْعَلْ لي عَقْلاً أنْتَفِع بهِ ، وَيَقُولُ الهَالِكُ فِي الفتْرَةِ : لَمْ يأْتِني رَسُولٌ وَلا نَبيّ ، وَلَوْ أتانِي لَكَ رَسُولٌ أوْ نَبيّ لَكُنْتُ أطْوَعَ خَلْقِكَ لَكَ . وقرأ : لَوْلا أرْسَلْتَ إلَيْنا رَسُولاً ويَقُولُ الصّبِيّ الصّغِيرُ : كُنْتُ صَغِيرا لا أعْقِلُ » قالَ : «فَتُرْفَعُ لَهُمْ نارٌ وَيُقالُ لَهُمْ : رِدُوها » قال : «فَيرِدُها مَنْ كانَ فِي علْمِ اللّهِ أنّه سَعيدٌ ، وَيَتَلَكّأُ عَنْها مَنْ كانَ فِي عِلْمِ اللّهِ أنّهُ شَقِيّ ، فَيَقُولُ : إيّايَ عَصَيْتُمْ ، فَكَيْقَ بِرُسُلي لَوْ أتَتْكُمْ ؟ » .
الذي يظهر أن جملة { ولو أنَّا أهلكناهم بعذاب من قبله } معطوفة على جملة { أو لم تأتهم بيّنة ما في الصحف الأولى } [ طه : 133 ] ، وأنّ المعنى على الارتقاء في الاستدلال عليهم بأنّهم ضالّون حين أخروا الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وجعلوه متوقفاً على أن يأتيهم بآية من ربّه ، لأنّ ما هم متلبسون به من الإشراك بالله ضلال بيّن قد حَجَبتْ عن إدراك فساده العادَات واشتغال البال بشؤون دين الشرك ، فالإشراك وحده كاف في استحقاقهم العذاب ولكن الله رحمهم فلم يؤاخذهم به إلاّ بعد أن أرسل إليهم رسولاً يوقظ عقولهم . فمجيء الرسول بذلك كاف في استدلال العقول على فساد ما هم فيه ، فكيف يسألون بعد ذلك إتيان الرسول لهم بآية على صدقه فيما دعاهم إليه من نبذ الشرك لو سُلّم لهم جدلاً أن ما جاءهم من البيّنة ليس هو بآية ، فقد بطل عذرهم من أصله ، وهو قولهم { ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك } . وهذا كقوله تعالى : { وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين أو تقولوا لو أنّا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة } [ الأنعام : 156 ] . فالضمير في قوله { من قبله } عائد إلى القرآن الذي الكلام عليه ، أو على الرسول باعتبار وصفه بأنه بيّنة ، أو على إتيان البيّنة المأخوذ من { أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى } [ طه : 133 ] .
وفي هذه الآية دليل على أنّ الإيمان بوحدانية خالق الخلق يقتضيه العقل لولا حجب الضلالات والهوى ، وأن مجيء الرسل لإيقاظ العقول والفطر ، وأن الله لا يؤاخذ أهل الفترة على الإشراك حتى يبعث إليهم رسولاً ، وأنّ قريشاً كانوا أهل فترة قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم .
ومعنى { لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً } : أنهم يقولون ذلك يوم الحساب بعد أن أهلكهم الله الإهلاك المفروض ، لأنّ الإهلاك بعذاب الدنيا يقتضي أنهم معذبون في الآخرة .
و ( لولا ) حرف تحضيض ، مستعمل في اللوم أو الاحتجاج لأنّه قد فات وقت الإرسال ، فالتقدير : هلاّ كنت أرسلت إلينا رسولاً وانتصب { فنتبع } على جواب التحضيض باعتبار تقدير حصوله فيما مضى .
والذل : الهوان . والخزي : الافتضاح ، أي الذل بالعذاب . والخزي في حشرهم مع الجناة كما قال إبراهيم عليه السلام { ولا تخزني يوم يبعثون } [ الشعراء : 87 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.