التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ يَوۡمَئِذٖ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلۡأَصۡفَادِ} (49)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما سيحل بالمجرمين يوم القيامة من عذاب عنيف مهين يناسب إجرامهم وكفرهم فقال : { وَتَرَى المجرمين يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد . سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وتغشى وُجُوهَهُمْ النار }

وقوله { مقرنين } جمع مقرن ، وهو من جمع فى قرن ووثاق واحد يربطان به .

والأصفاد : جمع صفد - بفتح الفاء - وهو القيد الذى يوضع فى الرجل ، أو الغل - بضم الغين - الذى تضم به اليد والرجل إلى العنق .

والسرابيل : جمع سربال وهو القميص .

والقطران : مادة حارة نتنة شديدة الاشتعال تصلى بها جولد الإِبل الجربى ، ليزول الجرب منها . أى : وترى - أيها العاقل - المجرمين فى هذا اليوم العسير عليهم { مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد } أى : قد قرن بعضهم مع بعض ، وضم كل قرين إلى من يشبهه فى الكفر وفى الفسوق وفى العصيان ، وقد قيدوا جميعا بالأصفاد واليقود والأغلال .

قال - تعالى - { احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ . . } أى : وأمثالهم من العصاة ، فعابد الصنم يكون مع عابد الصنم ، وشارب الخمر مع شارب الخمر . ويصح أن يكون اقترانهم مع الشياطين كما قال - تعالى - { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ والشياطين ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً } هذا عن مشهد المجرمين وهم مقرنون فى الأصفاد ، وهو مشهد مهين مذل ولكنه ليس كافيا .

فى عقابهم ، بل يضاف إليه أن ملابسهم من قطران ، ليجتمع لهم لذعته ، وقبح لونه ، ونتن ريحه ، وسرعة اشتعاله ، وفوق كل ذلك فإن وجوههم تعلوها وتحيط بها النار التى تستعر بأجسادهم المسربلة بالقطران .

وخص - سبحانه الوجوه بغشيان النار لهاه ، لكونها أعز موضع فى البدن وأشرفه

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ يَوۡمَئِذٖ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلۡأَصۡفَادِ} (49)

28

ثم ها نحن أولاء أمام مشهد من مشاهد العذاب العنيف القاسي المذل ، يناسب ذلك المكر وذلك الجبروت :

( وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ) . .

فمشهد المجرمين : اثنين اثنين مقرونين في الوثاق ، يمرون صفا وراء صف . . مشهد مذل دال كذلك على قدرة القهار .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ يَوۡمَئِذٖ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلۡأَصۡفَادِ} (49)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مّقَرّنِينَ فِي الأصْفَادِ * سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىَ وُجُوهَهُمْ النّارُ * لِيَجْزِيَ اللّهُ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } .

يقول تعالى ذكره : وتعاين الذين كفروا بالله ، فاجترموا في الدنيا الشرك يومئذٍ ، يعني : يوم تُبدّل الأرض غير الأرض والسموات . مُقَرّنِينَ فِي الأصْفادِ يقول : مقرنة أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأصفاد ، وهي الوثاق من غلّ وسلسلة ، واحدها : صَفَد ، يقال منه : صفدته في الصّفَد صَفْدا وصِفادا ، والصفاد : القيد ، ومنه قول عمرو بن كلثوم .

فَآبُوا بالنّهابِ وبالسّبايا *** وأُبْنا بالمُلُوكِ مُصَفّدِينا

ومن جعل الواحد من ذلك صِفادا جمعه : صُفُدا لا أصفادا . وأما من العطاء ، فإنه يقال منه : أصفدتُهُ إصفادا ، كما قال الأعشى :

تَضَيّفْتُهُ يَوْما فأكْرَمَ مَجْلِسِي *** وأصْفَدَنِي عِنْدَ الزّمانَةِ قائِدَا

وقد قيل في العطاء أيضا : صَفَدَني صَفْدا ، كما قال النابغة الذبيانيّ :

هَذَا الثّناءُ فإنْ تَسْمَعْ لِقائِلِهِ *** فَمَا عَرَضْتُ أبَيْتَ اللّعْنَ بالصّفَدِ

وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : مُقَرّنِينَ فِي الأصْفادِ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : ثني عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : مُقَرّنِينَ فِي الأصْفادِ يقول : في وثاق .

حدثني محمد بن عيسى الدامغاني ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : الأصفاد : السلاسل .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : مُقَرّنِينَ فِي الأصْفادِ قال : مقرّنين في القيود والأغلال .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عليّ بن هاشم بن البريد ، قال : سمعت الأعمش ، يقول : الصفد : القيد .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : مُقَرّنِينَ فِي الأصْفادِ قال : صفدت فيها أيديهم وأرجلهم ورقابهم ، والأصفاد : الأغلال .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ يَوۡمَئِذٖ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلۡأَصۡفَادِ} (49)

{ وترى المجرمين يومئذ مقرّنين } قرن بعضهم مع بعض بحسب مشاركتهم في العقائد والأعمال كقوله : { وإذا النفوس زوجت } أو قرنوا مع الشياطين أو مع ما اكتسبوا من العقائد الزائغة والملكات الباطلة ، أو قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال ، وهو يحتمل أن يكون تمثيلا لمؤاخذتهم على ما اقترفته أيديهم وأرجلهم . { في الأصفاد } متعلق ب { مقرنين } أو حال من ضميره ، والصفد القيد . وقيل الغل قال سلامة بن جندل :

وزيد الخيل قد لاقى صفاداً *** يعضّ بساعد وبعظمٍ ساقَ

وأصله الشد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ يَوۡمَئِذٖ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلۡأَصۡفَادِ} (49)

{ المجرمين } هم الكفار ، و { مقرنين } مربوطين في قرن ، وهو الحبل الذي تشد به رؤوس الإبل والبقر ، ومنه قول الشاعر : [ البسيط ] .

وابن اللبون إذا ما لز في قرن . . . لم يستطع صولة البزل القناعيس{[7113]}

و { الأصفاد } الأغلال ، واحدها : صفد ، يقال : صفده وأصفده وصفده : إذا غلله ، والاسم : الصفاد ، ومنه قول سلامة بن جندل : [ الوافر ]

وزيد الخيل قد لاقى صفاداً . . . يعض بساعد وبعظم ساق{[7114]}

وكذلك يقال في العطاء ، و «الصفد » العطاء ، ومنه قول النابغة .

فلم أعرض أبيت اللعن بالصفد . . . {[7115]} .


[7113]:البيت لجرير، قاله في (اللسان ـ لزز وقنعس)، واللبون: التي نزل اللبن في ضرعها، وابن اللبون: ولد الناقة إذا استكمل السنة الثانية ودخل في الثانية ودخل في الثالثة لأن أمه ولدت غيره فصار لها لبن ـ ولز: ألصق وشد في قرن، والقرن: الحبل الذي تربط فيه الإبل والبقر. والبزل: جمع بازل وهو البعير الذي طلع نابه، ويكون ذلك في الثامنة أو التاسعة، والقنعاس: الجمل الضخم العظيم، وهو من صفات الذكور عند أبي عبيد، والجمع: القناعس، ويقال فيها: القناعيس.
[7114]:هو سلامة بن عمرو، من بين تميم ، فارس وشاعر مقل، والصفاد: الغل أو الوثاق يشد به الإنسان، يقول: لقد لقي زيد الخيل وثاقا يشد به شدا قويا، فكـأنما يعض من شدته على ساعديه وساقيه.
[7115]:هذا عجز بيت ، قاله النابغة في قصيدته التي يمدح بها النعمان ويعتذر إليه عما بلغه عنه، والتي مطلعها: "يا دار مية بالعلياء فالسند"'، والبيت بتمامه: هذا الثناء ـ فإن تسمع به ـ حسنا فلم أعرض ـ أبيت اللعن ـ بالصفد قول الشاعر: "فإن تسمع به" جملة معترضة بين "الثناء" و "حسنا، والباء في "به" زائدة، وأصل المعنى: هذا الثناء حسنا يأتيك، أي: هذا مديحي لك، ومعنى تسمع: تقبل، يريد أن يقول: فإن تقبله مني فهو ما أريد. و "حسنا" حال من اسم الإشارة "هذا"، و "أبيت اللعن" كلمة يخاطب بها العرب ملوكهم، و معناها: أبيت أن تفعل شيئا تلعن به، فأنت لا تفعل إلا الحسن الجميل، وأعرض: أقول كلاما أكني به عن شيء يستلزمه معناه، يريد: لم أقل شيئا فيه تعريض، و "بالصفد" معناها: بالعطاء، أي: لم أقصد بمديحي أي عطاء، بل أردت رضاك فقط. و الشاهد أن الصفد جاء بمعنى العطاء. وقد روي الشطر الأول: "هذا الثناء فإن تسمع لقائله". . .
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ يَوۡمَئِذٖ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلۡأَصۡفَادِ} (49)

التقرين : وضع اثنين في قرن ، أي حبل .

والأصفاد جمع صِفاد بوزن كتاب ، وهو القيد والغل .