اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ يَوۡمَئِذٖ مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلۡأَصۡفَادِ} (49)

ولما وصف نفسه -تعالى- بكونه قهاراً ، بيَّن عجزهم ، وذلتهم فقال : " وتَرَى المُجْرمينَ " وصفهم بصفات :

الأولى : قوله : { مُّقَرَّنِينَ فِي الأصفاد } " يجوز أن يكون حالاً على أنَّ الرؤية بصريّة ، وأن يكون مفعولاً ثانياً على أنَّها علمية ، و " فِي الأصْفادِ " متعلق به .

وقيل : بمحذوف على أنه حال أو صفة ل " مُقرَّنينَ " " .

والمُقرن : من جمع في القَرَن ، وهون الحبل الذي يربط به ، قال : [ البسيط ]

وابنُ اللَّبُون إذَا ما لُزَّ فِي قرنٍ *** لَمْ يَستَطعْ صَولةَ البُزْلِ القَناعِيسِ{[19396]}

وقال آخر : [ البسيط ]

ب- والخَيْرُ والشَّرُّ مَلْزُوزان في قَرنٍ{[19397]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقال آخر : [ البسيط ]

ج- إنِّي لَدَى الباب كالمَلزُوزِ في قَرنٍ{[19398]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يقال : قَرنْتُ الشَّيء بالشَّيء إذا شددتهُ بِهِ ، ووَصلتهُ ، والقرنُ : اسم للحَبْلِ الذي يُشَدُّ بِهِ ، ونكَّرهُ لِكثرةِ ذلِك .

والأصْفَادُ : جمع صفدٍ ، وهو الغلُّ ، والقيد ، يقال : صَفَدَهُ يَصْفِده صَفْداً ، قيَّدهُ ، والاسم الصَّفَد ، وصفَّدهُ مشدداً للتكثير ؛ قال : [ الوافر ]

فآبُوا بالنّهَابِ وبالسَّبَايَا *** وأبْنَا بالمُلُوكِ مُصفَّدِينَا{[19399]}

والأصفادُ من{[19400]} الصَّفْد ، وأصفْدَه ، أي : أعطاه ، ففرَّقُوا بين " فَعَل " و " أفْعَلَ " .

وقيل : بل يستعملان في القَيْدِ ، والعَطاءِ ، قال النابغة الذبياني : [ البسيط ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** فَلمْ أعرِّضْ أبَيْتَ اللَّعْنَ بالصَّفدِ{[19401]}

أي : بالإعطاءِ ، وسمي العطاء صفداً ، لأنَّه يُقيَّدُ من يعطيه ، منه : أنا مغلول أياديك ، أسير نعمتك .

فصل

قيل : يقرن كل كافرٍ مع شيطانٍ في سلسلة ، بيانهن قوله : { احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } [ الصافات : 22 ] يعنى : قرناءهم من الشَّياطين ، وقوله -جل ذكره- : { وَإِذَا النفوس زُوِّجَتْ } [ التكوير : 7 ] . أي قرنت .

وقيل : مقرونة أيديهم ، وأرجلهم إلى رقابهم بالأصفاد أي : بالقيود .


[19396]:تقدم.
[19397]:ينظر: الدر المصون 4/282.
[19398]:تقدم.
[19399]:في أ: الصفاد مثل.
[19400]:. تقدم
[19401]:لبيت لعمرو بن ملقط. وهو عجز بيت وصدره: مهما ليه الليلة مهما ليه *** ................... ينظر: شرح المفصل 7/44، الخزانة 9/18، المغني 1/108، الهمع 2/58، الدرر 2/74، التهذيب (مه)، النوادر /62، الدر المصون 4/283.