التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (105)

ثم أمر - سبحانه - بالتزود من العمل الصالح ، وحذر من الوقوع في العمل السئ ، فقال - تعالى - : { وَقُلِ اعملوا فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ والمؤمنون } .

أى : وقل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء التائبين وغيرهم ، قل لهم : اعملوا ما تشاءون من الأعمال ، فإن الله مطلع عليها ، وسيطلع رسوله والمؤمنون عليها كذلك .

وخص - سبحانه - رسوله والمؤمنين بالذكر ، لأنهم هم الذين يهتم المخاطبون باطلاعهم .

قال الآلوسى ما ملخصه : وقوله : { فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ } تعليل لما قبله ، أو تأكيد لما يستافد منه من الترغييب والترهيب ، والسين للتأكيد . . والمراد من رؤية الله العمل - عند جمع - الاطلاع عليه ، وعلمه علما جليا ، ونسبة ذلك للرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين ، باعتبار ان الله - تعالى - لا يخفى ذلك عنهم ، بل يطلعهم عليه . . . . " .

وقوله : { وَسَتُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الغيب والشهادة فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } بيان لما سيكون عليه حالهم في الآخرة .

أى : وسترجعون بعد موتكم إلى الله - تعالى - الذي لا يخفى عليه شئ ، فينبئكم بما كنتم تعملونه في الدنيا من خير أو شر ، وسيجازيكم بما تستحقونه من ثواب أو عقاب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (105)

97

وفي النهاية يتوجه الحديث إلى المتخلفين التائبين :

( وقل : اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون ، ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ) . .

ذلك أن المنهج الإسلامي منهج عقيدة وعمل يصدق العقيدة . فمحك الصدق في توبتهم إذن هو العمل الظاهر ، يراه اللّه ورسوله والمؤمنون . فأما في الآخرة فمردهم إلى عالم الغيب والشهادة الذي يعلم فعل الجوارح وكوامن الصدور .

إن الندم والتوبة ليسا نهاية المطاف . ولكنه العمل الذي يعقب الندم والتوبة . فيصدق أو يكذب تلك المشاعر النفسية ويعمقها أو يكتسحها بعد أن تكون !

إن الإسلام منهج حياة واقعية ، لا تكفي فيه المشاعر والنوايا ، ما لم تتحول إلى حركة واقعية . وللنية الطيبة مكانها ؛ ولكنها هي بذاتها ليست مناط الحكم والجزاء . إنما هي تحسب مع العمل ، فتحدد قيمة العمل . وهذا معنى الحديث : " إنما الأعمال بالنيات " . . الأعمال . . لا مجرد النيات

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (105)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدّونَ إِلَىَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وَقُلْ يا محمد لهؤلاء الذين اعترفوا لك بذنوبهم من المتخلفين عن الجهاد معك : اعْمَلُوا لله بما يرضيه من طاعته وأداء فرائضه ، فَسَيَرى اللّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ يقول : فسيرى الله إن عملتم عملكم ، ويراه رسوله . وَالمُؤْمِنُونَ في الدنيا وَسَيُرَدّونَ يوم القيامة إلى من يعلم سرائركم وعلانيتكم ، فلا يخفى عليه شيء من باطن أموركُمْ وظواهرها . فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يقول : فيخبركم بما كنتم تعملون ، وما منه خالصا وما منه رياء وما منه طاعة وما منه لله معصية ، فيجازيكم على ذلك كله جزاءكم ، المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد : وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ والمُؤْمِنُونَ قال : هذا وعيد .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (105)

{ وقل اعملوا } ما شئتم . { فسيرى الله عملكم } فإنه لا يخفى عليه خيرا كان أو شرا . { ورسوله والمؤمنون } فإنه تعالى لا يخفى عنهم كما رأيتم وتبين لكم . { وستردّون إلى عالم الغيب والشهادة } بالموت . { فينبّئكم بما كنتم تعملون } بالمجازاة عليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (105)

وقوله { وقل اعملوا } الآية ، صيغة أمر مضمنها الوعيد ، وقال الطبري : المراد بها الذين اعتذروا من المتخلفين وتابوا .

قال القاضي أبو محمد : والظاهر أن المراد بها الذين اعتذورا ولم يتوبوا وهم المتوعدون وهم الذين في ضمير قوله { ألم يعلموا } إلا على الاحتمال الثاني من أن الآيات كلها في { الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً } [ التوبة : 84 ] ، ومعنى { فسيرى الله } أي موجوداً معوضاً للجزاء عليه بخير أو شر ، وأما الرسول والمؤمنون فرؤيتهم رؤية حقيقة لا تجوز ، وقال ابن المبارك رؤية المؤمنين هي شهادتهم على المرء بعد موته وهي ثناؤهم عند الجنائز ، وقال الحسن ما معناه : إنهم حذروا من فراسة المؤمن التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله »{[5882]} ، وقوله تعالى { وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون } يريد البعث من القبور ، و { الغيب والشهادة } معناه ما غاب وما شوهد ، وهي حالتان تعم كل شيء{[5883]} ، وقوله { فينبئكم } عبارة عن حضور الأعمال وإظهارها للجزاء عليها وهذا وعيد .


[5882]:- أخرجه البخاري في التاريخ، والترمذي عن أبي سعيد، وأخرجه الطبراني في الكبير، وابن عدي في الكامل عن أبي أمامة، وأخرج ابن جرير عن ابن عمر رضي الله عنهما.
[5883]:- هكذا في جميع النسخ التي بين يدي، ويلاحظ أن الضمائر كلها للمفرد، وكان الصحيح أن يقول: (معناهما)، وكذلك (هما حالتان تعمّان)، وهذه الظاهرة تكررت كثيرا في أسلوب ابن عطية وأشرنا إليها في كل موضع.