التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعۡمَةٗۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (8)

وقوله - سبحانه - : { فَضْلاً مِّنَ الله وَنِعْمَةً } تعليل لما مَنَّ به - سبحانه - عليهم من تزيين الإِيمان فى قلوبهم . أى : فعل ما فعل من تحبيب الإِيمان إليكم ، ومن تبغيض الكفر إلى قلوبكم ، لأجل فضله عليكم ، ورحمته بكم ، وإنعامه عليكم بالنعم التى لا تحصى .

{ والله } - تعالى - { عَلِيمٌ } بكل شئ { حَكِيمٌ } فى كل أفعاله وأقواله وتصرفاته .

وبذلك نرى الآيات الكريمة ، قد رسمت للمؤمنين أحكم الطرق فى تلقى الأخبار ، وأرشدتهم إلى مظاهر فضله عليهم ، لكى يستمروا على شكرهم له وطاعتهم لرسله .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعۡمَةٗۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (8)

والذي يستوقف النظر هنا هو تذكيرهم بأن الله هو الذي أراد بهم هذا الخير ، وهو الذي خلص قلوبهم من ذلك الشر : الكفر والفسوق والعصيان . وهو الذي جعلهم بهذا راشدين فضلا منه ونعمة . وأن ذلك كله كان عن علم منه وحكمة . . وفي تقرير هذه الحقيقة إيحاء لهم كذلك بالاستسلام لتوجيه الله وتدبيره ، والاطمئنان إلى ما وراءه من خير عليهم وبركة ، وترك الاقتراح والاستعجال والاندفاع فيما قد يظنونه خيرا لهم ؛ قبل أن يختار لهم الله . فالله يختار لهم الخير ، ورسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فيهم ، يأخذ بيدهم إلى هذا الخير . وهذا هو التوجيه المقصود في التعقيب .

وإن الإنسان ليعجل ، وهو لا يدري ما وراء خطوته . وإن الإنسان ليقترح لنفسه ولغيره ، وهو لا يعرف ما الخير وما الشر فيما يقترح . ( ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا ) . ولو استسلم لله ، ودخل في السلم كافة ، ورضي اختيار الله له ، واطمأن إلى أن اختيار الله أفضل من اختياره ، وأرحم له وأعود عليه بالخير . لاستراح وسكن . ولأمضى هذه الرحلة القصيرة على هذا الكوكب في طمأنينة ورضى . . ولكن هذا كذلك منة من الله وفضل يعطيه من يشاء .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعۡمَةٗۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (8)

وقوله : فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَنِعْمَةً يقول : ولكن الله حبّب إليكم الإيمان ، وأنعم عليكم هذه النعمة التي عدّها فضلاً منه ، وإحسانا ونعمة منه أنعمها عليكم وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ يقول : والله ذو علم بالمحسن منكم من المسيء ، ومن هو لنعم الله وفضله أهل ، ومن هو لذلك غير أهل ، وحكمةٍ في تدبيره خلقه ، وصرفه إياهم فيما شاء من قضائه . وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : وَاعْلَمُوا أنّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّهِ لَوْ يُطِيعُكُم فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتّمْ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَاعْلَمُوا أنّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّهِ . . . حتى بلغ لَعَنِتّمْ هؤلاء أصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، لو أطاعهم نبيّ الله في كثير من الأمر لعنتم ، فأنتم والله أسخف رأيا ، وأطيش عقولاً ، اتهم رجل رأيه ، وانتصح كتاب الله ، فإن كتاب الله ثقة لمن أخذ به ، وانتهى إليه ، وإن ما سوى كتاب الله تغرير .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، قال : قال معمر ، تلا قتادة لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتّمْ قال : فأنتم أسخف رأيا وأطيش أحلاما ، ، فاتهم رجل رأيه ، وانتصح كتاب الله وكذلك كما قلنا أيضا في تأويل قوله : وَلَكِنّ الله حَبّبَ إلَيْكُمُ الإيمَانَ قالوا . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : حَبّبَ إلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ قال : حببه إليهم وحسّنه في قلوبهم . وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله وكَرّهَ إلَيْكُمُ الكُفْرَ والفُسُوقَ وَالعِصْيانَ أولَئِكَ هُمُ الرّاشِدُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَنِعْمَةً قالوا أيضا . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وكَرّهَ الَيْكُمُ الكُفْرَ والفُسُوقَ قال : الكذب والعصيان قال : عصيان النبيّ صلى الله عليه وسلم أُولَئِكَ هُم الرّاشدونَ من أين كان هذا ؟ قال : فضل من الله ونعمة قال : والمنافقون سماهم الله أجمعين في القرآن الكاذبين قال : والفاسق : الكاذب في كتاب الله كله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعۡمَةٗۚ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (8)

{ فضلا من الله ونعمة } تعليل ل { كره } أو { حبب } ، وما بينهما اعتراض لا لا { الراشدون } فإن الفضل فعل الله ، والرشد وإن كان مسببا عن فعله مسند إلى ضميرهم أو مصدر لغير فعله فإن التحبيب والرشد فضل من الله وإنعام . { والله عليم } بأحوال المؤمنين وما بينهم من التفاضل { حكيم } حيث يفضل وينعم بالتوفيق عليهم .