بعد كل ذلك ، بشر أولياءه بحسن العاقبة ، وأنذر أعداءه بسوء المصير ، ورد على الذين قالوا اتخذ الله ولداً بما يكبتهم ويخرس ألسنتهم فقال - تعالى - :
{ ألا إِنَّ أَوْلِيَآءَ . . . } .
الأولياء : جمع ولي مأخوذ من الولي بمعنى القرب والدنو ، يقال : تباعد فلان من عبد ولي أى : بعد قرب .
والمراد بهم : أولئك المؤمنون الصادقون الذي صلحت أعمالهم ، وحسنت بالله - تعالى - صلتهم ، فصاروا يقولون ويفعلون كل ما يحبه ، ويجتنبون كل ما يكرهه .
قال الفخر الرازي : " ظهر في علم الاشتقاق أن تركيب الواو واللام والياء يدل على معنى القرب ، فولى كل شيء هو الذي يكون قريبا منه .
والقرب من الله إنما يتم إذا كان القلب مستغرقاً في نور معرفته ، فإن رأى رأى دلائل قدرته ، وإن سمع سمع آيات وحدانيته ، وإن نطق نطق بالثناء عليه ، وِإن تحرك تحرك في خدمته ، وإن اجتهد اجتهد في طاعته ، فهنالك يكون في غاية القرب من الله - تعالى - ويكون وليا له - سبحانه - .
وإذا كان كذلك كان الله - وليا له - أيضاً - كما قال : { الله وَلِيُّ الذين آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور } وقد افتتحت الآية الكريمة بأداة الاستفتاح { ألا } وبحرف التوكيد { إن } لتنبيه الناس إلى وجوب الاقتداء بهم ، حتى ينالوا ما ناله أولئك الأولياء الصالحون من سعادة دنيوية وأخروية .
وقوله : { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } تمييز لهم عن غيرهم ممن لم يبلغوا درجتهم .
والخوف : حالة نفسية تجعل الإِنسان مضطرب المشاعر لتوقعه حصلو ما يكرهه .
والحزن اكتئاب نفسي يحدث للإِنسان من أجل وقوع ما يكرهه .
أى : أن الخوف يكون من أجل مكروه يتوقع حصوله ، بينما الحزن يكون من أجل مكروه قد وقع فعلاً .
والمعنى : ألا إن أولياء الله الذين صدق إيمانهم ، وحسن عملهم ، لا خوف علهيم من أهوال الموقف وعذاب الآخرة ، ولا هم يحزنون على ما تركوا وراءهم من الدنيا ، لأن مقصدهم الأسمى رضا الله - سبحانه - فمتى فعلوا ما يؤدي إلى ذلك هان كل ما سواه .
وفي ظل هذا الأنس ، وفي طمأنينة هذا القرب . . يأتي الإعلان الجاهر :
( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . الذين آمنوا وكانوا يتقون . لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة . لا تبديل لكلمات الله . ذلك هو الفوز العظيم )
وكيف يخاف أولياء الله أو يحزنون والله معهم هكذا في كل شأن وفي كل عمل وفي كل حركة أو سكون ? وهم أولياء الله ، المؤمنون به الأتقياء المراقبون له في السر والعلن :
القول في تأويل قوله تعالى : { أَلآ إِنّ أَوْلِيَآءَ اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ألا إن أنصار الله لا خوف عليهم في الاَخرة من عقاب الله لأن الله رضي عنهم فآمنهم من عقابه ، وَلا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا . والأولياء جمع وليّ ، وهو النصير . وقد بيّنا ذلك بشواهده .
واختلف أهل التأويل فيمن يستحقّ هذا الاسم ، فقال بعضهم : هم قوم يُذكر الله لرؤيتهم لما عليهم من سيما الخير والإخبات . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب وابن وكيع ، قالا : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مقسم ، وسعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ألا إنّ أوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ قال : الذين يذكر الله لرؤيتهم .
حدثنا أبو كريب وأبو هشام قالا : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث بن إسحاق ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن العلاء بن المسيب ، عن أبي الضحى ، مثله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن العلاء بن المسيب ، عن أبيه : ألا إنّ أوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ قال : الذين يذكر الله لرؤيتهم .
قال : حدثنا ابن مهدي وعبيد الله ، عن سفيان ، عن العلاء بن المسيب ، عن أبي الضحى ، قال : سمعته يقول في هذه الآية : ألا إنّ أوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ قال : من الناس مفاتيح أذا رُؤوا ذكر الله لرؤيتهم .
قال : حدثنا أبي ، عن مسعر ، عن سهل بن الأسد ، عن سعيد بن جبير ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولياء الله ، فقال «الّذِينَ إذا رُؤُوا ذُكِرَ اللّهُ » .
قال : حدثنا زيد بن حباب ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي وائل ، عن عبد الله : ألا إنّ أوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ قال : الذين إذا رُؤُوا ذكر الله لرؤيتهم .
قال : حدثنا أبو يزيد الرازي ، عن يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «هُمُ الّذِينَ إذا رُؤُوا ذُكِرَ اللّهُ » .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا فرات ، عن أبي سعد ، عن سعيد بن جبير ، قال : سئل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن أولياء الله ، قال : «هُمُ الّذِينَ إذا رُؤُوا ذُكِرَ اللّهُ » .
قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا العوّام ، عن عبد الله بن أبي الهذيل في قوله : ألا إنّ أوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ . . . الآية ، قال : إن وليّ الله إذا رُؤي ذكر الله .
حدثنا أبو هاشم الرفاعي ، قال : حدثنا ابن فضيل ، قال : حدثنا أبي عن عمارة بن القعقاع الضبي ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير البجلي ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ مِنْ عِبادِ اللّهِ عِبادا يَغْبِطُهُمُ الأنْبِياءُ والشهَدَاءُ » . قيل : من هم يا رسول الله ، فلعلنا نحبهّم ؟ قال : «هُمْ قَوْمٌ تَحابّوا في اللّهِ مِنْ غيرِ أمْوَالٍ وَلا أنْسابٍ ، وُجُوهُهُمْ مِنْ نُور ، على مَنابِرَ مِنْ نُور ، لا يَخافُونَ إذَا خافَ النّاسُ ، وَلا يَحْزَنُونَ إذَا حَزَنَ النّاس » وقرأ : ألا إنّ أوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عمارة ، عن أبي زرعة ، عن عمر بن الخطاب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ مِنْ عِبادِ اللّهِ لاَناسا ما هُمْ بأَنْبِياءَ وَلا شُهَدَاءَ ، يغَبْطِهِمُ الأَنْبِياءُ والشّهَدَاءُ يَوْمَ القِيامَةِ بِمَكانِهِمْ مِنَ اللّهِ » . قالوا : يا رسول الله أخبرنا من هم ، وما أعمالهم ، فإنا نحبهم لذلك ؟ قال : «هُمْ قَوْمٌ تَحابّوا فِي اللّهِ بِرُوحِ اللّهِ على غيرِ أرْحامِ بَيْنَهُمْ وَلا أمْوَال يَتَعاطُوَنها ، فَوَاللّهِ إنّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ ، وإنّهُمْ لَعَلى نُور ، لا يَخافونَ إذَا خافَ النّاسُ وَلا يَحْزَنُونَ إذَا حَزَنَ النّاسُ » . وقرأ هذه الآية : ألا إنّ أوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ .
حدثنا بحر بن نصر الخولاني ، قال : حدثنا يحيى بن حسان ، قال : حدثنا عبد الحميد بن بهرام ، قال : حدثنا شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن أبي مالك الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يَأْتِي مِنْ أفناءِ النّاسِ ونَوَازِعِ القَبائِلِ قَوْمٌ لَمْ يَتّصِلْ بَيْنَهُمْ أرْحامٌ مُتَقارِبَةٌ ، تَحابّوا فِي اللّهِ وَتَصَافَوْا فِي اللّهِ يَضَعُ اللّهُ لَهُمْ يَومَ القِيامَةِ مَنابِرَ مِنْ نُورٍ فَيُجْلِسُهُمْ عَلَيْها ، يَفْزَعُ النّاسُ فَلا يَفْزَعُونَ ، وَهُمْ أوْلِياءُ اللّهِ الّذِينَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : الوليّ ، أعني وليّ الله ، هو من كان بالصفة التي وصفه الله بها ، وهو الذي آمن واتقى ، كما قال الله : الّذِينَ آمَنُوا وكانُوا يَتّقُونَ .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، كان ابن زيد يقول :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ألا إنّ أوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ من هم يا ربّ ؟ قال : الّذِينَ آمَنُوا وكانُوا يَتّقُونَ قال : أبى أن يتقبل الإيمان إلا بالتقوى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.