التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (146)

142

- ثم بين القرآن الكريم أن أهل الكتاب يعرفون صدق الرسول صلى الله عليه وسلم معرفة لا يخالطها شك فقال تعالى : { الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } .

أي : أن أحبار اليهود وعلماء النصارى يعرفون صدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ويعرفون أن توجهه إلى البيت الحرام حق ، كما يعرفون أبناءهم فهو تشبيه للمعرفة العقلية الحاصلة من مطالعة الكتب السماوية ، بالمعرفة الحسية في أن كلا منهما يقين لا اشتباه فيه .

قال الإِمام ابن كثير : " يخبر الله أن علماء أهل الكتاب يعرفون صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعرف أحدهم ولده ، والعرب كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا كما جاء في الحديث " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل معه صبي صغير " إبنك هذا " ؟ قال نعم يا رسول الله أشهد به ، قال : " أما إنه لا يخفي عليك ولا تخفى عليه " ويروى عن عمر أنه قال " لعبد الله بن سلام " أتعرف محمد صلى الله عليه وسلم كما تعرف ولدك . قال نعم وأكثر ، نزل الأمين من السماء على الأمين في الأرض بنعته ، وإني لا أدري ما كان من أم ولدي ، فقبل عمر - رضي الله عنه - رأسه " .

أي : وإن طائفة من أهل الكتاب مع ذلك التحقيق والإِيقان العلمي من أنك على حق في كل شئونك ليتمادون في إخفائه وجحوده ، وهم يعلمون ما يترتب على ذلك الكتمان من سوء المصير لهم في الدنيا والآخرة

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (146)

142

وبعد هذه الوقفة العابرة نعود إلى السياق ؛ فنجده لا يزال يقرر معرفة أهل الكتاب الجازمة بأن الحق في هذا الشأن وفي غيره هو ما جاء به القرآن ، وما أمر به الرسول . ولكنهم يكتمون الحق الذي يعلمونه ، للهوى الذي يضمرونه :

( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ) . .

ومعرفة الناس بأبنائهم هي قمة المعرفة ، وهي مثل يضرب في لغة العرب على اليقين الذي لا شبهة فيه . . فإذا كان أهل الكتاب على يقين من الحق الذي جاء به النبي [ ص ] ومنه هذا الذي جاء به في شأن القبلة ، وكان فريق منهم يكتمون الحق الذي يعلمونه علم اليقين . . فليس سبيل المؤمنين إذن أن يتأثروا بما يلقيه أهل الكتاب هؤلاء من أباطيل وأكاذيب . وليس سبيل المؤمنين أن يأخذوا من هؤلاء الذين يستيقنون الحق ثم يكتمونه شيئا في أمر دينهم ، الذي يأتيهم به رسولهم الصادق الأمين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمۡۖ وَإِنَّ فَرِيقٗا مِّنۡهُمۡ لَيَكۡتُمُونَ ٱلۡحَقَّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (146)

القول في تأويل قوله تعالى :

الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنّ فَرِيقاً مّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ

يعني جل ثناؤه بقوله : الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ ، أحبار اليهود وعلماء النصارى . يقول : يعرف هؤلاء الأحبار من اليهود والعلماء من النصارى أن البيت الحرام قبلتهم وقبلة إبراهيم وقبلة الأنبياء قبلك ، كما يعرفون أبناءهم . كما :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة قوله : الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبْناءَهُمْ يقول : يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قول الله عز وجل : الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كما يَعْرِفُونَ أبْناءَهُمْ يعني القبلة .

حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبْنَاءَهُمْ عرفوا أن قبلة البيت الحرام هي قبلتهم التي أمروا بها ، كما عرفوا أبناءهم .

حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبْنَاءَهُمْ يعني بذلك الكعبة البيت الحرام .

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبْنَاءَهُمْ يعرفون الكعبة من قبلة الأنبياء ، كما يعرفون أبناءهم .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبْنَاءَهُمْ قال : اليهود يعرفون أنها هي القبلة مكة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، قال : قال ابن جريج في قوله : الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبْنَاءَهُمْ قال : القبلة والبيت .

القول في تأويل قوله تعالى : وَإنّ فَريقا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ يقول جل ثناؤه : وإن طائفة من الذين أوتوا الكتاب وهم اليهود والنصارى . وكان مجاهد يقول : هم أهل الكتاب .

حدثني محمد بن عمرو يعني الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بذلك .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، مثله .

قال أبو جعفر : وقوله : لَيَكْتُمُونَ الحَقّ وذلك الحقّ هو القبلة التي وجه الله عز وجلّ إليها نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، يقول : فولّ وجهك شطر المسجد الحرام التي كانت الأنبياء من قبل محمد صلى الله عليه وسلم يتوجهون إليها . فكتمتها اليهود والنصارى ، فتوجه بعضهم شرقا وبعضهم نحو بيت المقدس ، ورفضوا ما أمرهم الله به ، وكتموا مع ذلك أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل . فأطلع الله عز وجلّ محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته على خيانتهم الله تبارك وتعالى ، وخيانتهم عباده ، وكتمانهم ذلك ، وأخبر أنهم يفعلون ما يفعلون من ذلك على علم منهم بأن الحقّ غيره ، وأن الواجب عليهم من الله جل ثناؤه خلافه فقال : ليكتمون الحقّ وهم يعلمون أن ليس لهم كتمانه ، فيتعمدون معصية الله تبارك وتعالى . كما :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : وَإنّ فَريقا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ فكتموا محمدا صلى الله عليه وسلم .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : لَيَكْتُمُونَ الحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ قال : يكتمون محمدا صلى الله عليه وسلم وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .

حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق بن الحجاج ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : وَإنّ فَرِيقا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ يعني القبلة .