التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَفَمَن يَخۡلُقُ كَمَن لَّا يَخۡلُقُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (17)

والاستفهام فى قوله - سبحانه - : { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ . . } للإِنكار والتوبيخ لأولئك المشركين الذين عبدوا غير الله - تعالى -

أى : أفمن يخلق هذه الأشياء العجيبة ، والمخلوقات البديعة ، التى بينا لكم بعضها ، وهو الله - عز وجل - كمن لا يخلق شيئا على سبيل الإِطلاق ، بل هو مخلوق ، كتلك الأصنام والأوثان وغيرها ، التى أشركتموها فى العبادة مع الله - تعالى - ؟

إن فعلكم هذا لدليل واضح على جهلكم - أيها المشركون - وعلى انطماس بصيرتكم ، وقبح تفكيركم .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت من لا يخلق أريد به الأصنام ، فلماذا جئ بمن الذى هو لأولى العلم ؟ .

قلت : فيه أوجه : أحدها أنهم سموها آلهة وعبدوها فأجروها مجرى أولى العلم .

الثانى : المشاكلة بينه وبين من يخلق .

الثالث : أن يكون المعنى : أن من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولى العلم ، فكيف بما لا علم عنده . كقوله - تعالى - { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ . . } يعنى أن الآلهة - التى عبدوها - حالهم منحطة عن حال من لهم أرجل وأيد وآذان وقلوب لأن هؤلاء أحياء وهم أموات ، فكيف تصح لهم العبادة ، لا أنها لو صحت لهم هذه الأعضاء لصح أن يعبدوا .

فإن قلت الآية إلزام للذين عبدوا الأوثان وسموها آلهة تشبيها بالله - تعالى - : فكان من حق الإِلزام أن يقال : أفمن لا يخلق كمن يخلق ؟

قلت حين جعلوا غير الله مثل الله فى تسميته باسمه والعبادة له ، وسووا بينه ، فقد جعلوا الله من جنس المخلوقات وشبيها بها ، فأنكر عليهم ذلك بقوله : { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ . . } .

وقوله - سبحانه - : { أفلا تذكرون } زيادة فى توبيخهم وفى التهكم بهم .

أى : أبلغ بكم السفه والجهل أنكم سويتم فى العبادة بين من يخلق ومن لا يخلق ، والحال أن هذه التسوية لا يقول بها عاقل ، لأن من تفكر أدنى تفكر ، وتأمل أقل تأمل ، عرف وتيقن أنه لا يصح التسوية فى العبادة بين الخالق والمخلوق ، فهلا فكرتم قليلا فى أمركم ، لكى تفيئوا إلى رشدكم ، فتخلصوا العبادة لله الخلاق العليم

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَفَمَن يَخۡلُقُ كَمَن لَّا يَخۡلُقُۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (17)

وعندما ينتهي استعراض آيات الخلق ، وآيات النعمة ، وآيات التدبير في هذا المقطع من السورة يعقب السياق عليه بما سيق هذا الاستعراض من أجله . فقد ساقه في صدد قضية التعريف بالله سبحانه وتوحيده وتنزيهه عما يشركون :

( أفمن يخلق كمن لا يخلق ؟ أفلا تذكرون ؟ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم . والله يعلم ما تسرون وما تعلنون ، والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ، أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون ) . .

وهو تعقيب يجيء في أوانه ، والنفس متهيئة للإقرار بمضمونه : ( أفمن يخلق كمن لا يخلق ) . فهل هنالك إلا جواب واحد : لا . وكلا : أفيجوز أن يسوي إنسان في حسه وتقديره . . بين من يخلق ذلك الخلق كله ، ومن لا يخلق لا كبيرا ولا صغيرا ؟ ( أفلا تذكرون ) فما يحتاج الأمر إلى أكثر من التذكر ، فيتضح الأمر ويتجلى اليقين .