ثم قص علينا - سبحانه - جانبا من حياة موسى - عليه السلام - بعد أن بلغ أشده واستوى ، فقال - تعالى - : { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ . . . } .
قوله - سبحانه - { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ واستوى } بيان لجانب من النعم التى أنعم الله - تعالى - بها على موسى فى تلك المرحلة من حياته .
و { لَمَّا } ظرف بمعنى حين . والأشد : قوة الإنسان ، واشتعال حرارته من الشدة بمعنى القوة والارتفاع يقال : شد النهار إذا ارتفع . وهو مفرد جاء بصيغة الجمع ولا واحد له من لفظه .
وقوله : { واستوى } من الاستواء بمعنى الاكتمال وبلوغ الغاية والنهاية .
أى - وحين بلغ موسى - عليه السلام - منتهى شدته وقوته ، واكتمال عقله ، قالوا : وهى السن التى كان فيها بين الثلاثين والأربعين .
{ آتَيْنَاهُ } بفضلنا وقدرتنا { حُكْماً } أى : حكمة وهى الإصابة فى القول والفعل ، وقيل : النبوة .
{ وَعِلْماً } أى : فقها فى الدين ، وفهما سليما للأمور ، وإدراكا قويما لشئون الحياة .
وقوله - سبحانه - { وَكَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين } بيان لسنة من سننه - تعالى - التى لا تتخلف .
أى : ومثل هذا الجزاء الحسن ، والعطاء الكريم ، الذى أكرمنا به موسى وأمه نعطى ونجازى المحسنين ، الذين يحسنون أداء ما كلفهم الله - تعالى - به . فكل من أحسن فى أقواله وأعماله ، أحسن الله - تعالى - جزاءه ، وأعطاه الكثير من آلائه .
ويسكت سياق القصة بعد هذا عن السنوات الطوال ما بين مولد موسى - عليه السلام - والحلقة التالية التي تمثل شبابه واكتماله . فلا نعلم ماذا كان بعد رده إلى أمه لترضعه . ولا كيف تربى في قصر فرعون . ولا كيف كانت صلته بأمه بعد فترة الرضاعة . ولا كيف كان مكانه في القصر أو خارجه بعد أن شب وكبر إلى أن تقع الأحداث التالية في الحلقة الثانية . ولا كيف كانت عقيدته ، وهو الذي يصنع على عين الله ، ويعد لوظيفته ، في وسط عباد فرعون وكهنته . .
يسكت سياق القصة عن كل هذا ويبدأ الحلقة الثانية مباشرة حين بلغ أشده واستوى ، فقد آتاه الله الحكمة والعلم ، وحزاه جزاء المحسنين :
( ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما . وكذلك نجزي المحسنين ) . .
وبلوغ الأشد اكتمال القوى الجسمية . والاستواء اكتمال النضوج العضوي والعقلي . وهو يكون عادة حوالي سن الثلاثين . فهل ظل موسى في قصر فرعون ، ربيبا ومتبنى لفرعون وزوجه حتى بلغ هذه السن ? أم إنه افترق عنهما ، واعتزل القصر ، ولم تسترح نفسه للحياة في ظل تلك الأوضاع الآسنة التي لا تستريح لها نفس مصفاة مجتباة كنفس موسى - عليه السلام - ? وبخاصة أن أمه لا بد أن تكون قد عرفته من هو ومن قومه وما ديانته . وهو يرى كيف يسام قومه الخسف البشع والظلم الشنيع ، والبغي اللئيم ؛ وهو يرى أبشع صورة للفساد الشائع الأثيم .
ليس لدينا من دليل . ولكن سياق الحوادث بعد هذا يلهم شيئا من هذا كما سيجيء ؛ والتعقيب على إتيانه الحكمة والعلم : ( وكذلك نجزي المحسنين )يشي كذلك بأنه أحسن فأحسن الله إليه بالحكمة والعلم :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.