التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَٱسۡتَوَىٰٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (14)

ثم قص علينا - سبحانه - جانبا من حياة موسى - عليه السلام - بعد أن بلغ أشده واستوى ، فقال - تعالى - : { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ . . . } .

قوله - سبحانه - { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ واستوى } بيان لجانب من النعم التى أنعم الله - تعالى - بها على موسى فى تلك المرحلة من حياته .

و { لَمَّا } ظرف بمعنى حين . والأشد : قوة الإنسان ، واشتعال حرارته من الشدة بمعنى القوة والارتفاع يقال : شد النهار إذا ارتفع . وهو مفرد جاء بصيغة الجمع ولا واحد له من لفظه .

وقوله : { واستوى } من الاستواء بمعنى الاكتمال وبلوغ الغاية والنهاية .

أى - وحين بلغ موسى - عليه السلام - منتهى شدته وقوته ، واكتمال عقله ، قالوا : وهى السن التى كان فيها بين الثلاثين والأربعين .

{ آتَيْنَاهُ } بفضلنا وقدرتنا { حُكْماً } أى : حكمة وهى الإصابة فى القول والفعل ، وقيل : النبوة .

{ وَعِلْماً } أى : فقها فى الدين ، وفهما سليما للأمور ، وإدراكا قويما لشئون الحياة .

وقوله - سبحانه - { وَكَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين } بيان لسنة من سننه - تعالى - التى لا تتخلف .

أى : ومثل هذا الجزاء الحسن ، والعطاء الكريم ، الذى أكرمنا به موسى وأمه نعطى ونجازى المحسنين ، الذين يحسنون أداء ما كلفهم الله - تعالى - به . فكل من أحسن فى أقواله وأعماله ، أحسن الله - تعالى - جزاءه ، وأعطاه الكثير من آلائه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَٱسۡتَوَىٰٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (14)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَمّا بَلَغَ أَشُدّهُ وَاسْتَوَىَ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وَلمّا بَلَغَ موسى أشُدّهُ ، يعني حان شدّه بدنه وقواه ، وانتهى ذلك منه . وقد بّينا معنى الأشدّ فيما مضى بشواهده ، فأغني ذلك عن إعادته في هذا الموضع .

وقوله : وَاسْتَوَى يقول : تناهى شبابه ، وتمّ خلقه واستحكم . وقد اختلف في مبلغ عدد سني الاستواء ، فقال بعضهم : يكون ذلك في أربعين سنة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : وَاسْتَوَى قال : أربعين سنة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَلَمّا بَلَغَ أشُدّهُ قال : ثلاثا وثلاثين سنة . قوله : وَاسْتَوَى قال : بلغ أربعين سنة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، عن ابن عباس وَلَما بَلَغَ أشُدّهُ قال : بضعا وثلاثين سنة .

قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَلما بَلَغَ أشُدّهُ قال : ثلاثا وثلاثين سنة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة أشُدّهُ وَاسْتَوَى قال : أربعين سنة ، وأشدّه : ثلاثا وثلاثين سنة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَلمّا بَلَغَ أشُدّهُ واسْتَوَى قال : كان أبي يقول : الأشدّ : الجلَد ، والاستواء : أربعون سنة .

وقال بعضهم : يكون ذلك في ثلاثين سنة .

وقوله : آتَيْناهُ حُكْما وَعِلْما يعني الحكم : الفهم بالدين والمعرفة . كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد آتَيْناهُ حُكْما وَعِلْما قال : الفقه والعقل والعمل قبل النبوّة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد آتَيْناه حُكْما وَعِلْما قال : الفقه والعمل قبل النبوّة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق وَلمّا بَلَغَ أشُدّهُ وَاسْتَوَى آتاه الله حكما وعلما وفقها في دينه ودين آبائه ، وعلما بما في دينه وشرائعه وحدوده .

وقوله : وكذلكَ نَجّزِي المُحْسِنِينَ يقول تعالى ذكره : كما جزينا موسى على طاعته إيانا وإحسانه بصبره على أمرنا ، كذلك نجزي كلّ من أحسن من رسلنا وعبادنا ، فصبر على أمرنا وأطاعنا ، وانتهى عما نهيناه عنه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَٱسۡتَوَىٰٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (14)

و «الأشد » ، جمع شدة كنعمة وأنعم ، هذا قول سيبويه وقال غيره : «الأشد » جمع شد وقالت فرقة «الأشد » اسم مفرد وليس بجمع ، واختلف في قدر الأشد من السنين ، فقالت فرقة : بلوغ الحلم وهي نحو خمسة عشر عاماً ، وقالت فرقة : ثمانية عشر عاماً ، وقال السدي : عشرون ، وقالت فرقة : خمسة وعشرون ، وقالت فرقة : ثلاثون ، وقال مجاهد وابن عباس : ثلاثة وثلاثون ، وقالت فرقة عظيمة : ستة وثلاثون ، وقال مجاهد وقتادة «الاستواء » أربعون سنة ، وقال مكي وقيل هو ستون سنة وهذا ضعيف ، و «الأشد » شدة البدن واستحكام أسره وقوته ، و { استوى } معناه تكامل عقله وحزمه ، وذلك عند الجمهور مع الأربعين ، و «الحكم » الحكمة ، و «العلم » ، والمعرفة بشرع إبراهيم عليه السلام وهي مقدمة نبوته عليه السلام .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَٱسۡتَوَىٰٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (14)

هذا اعتراض بين أجزاء القصة المرتبة على حسب ظهورها في الخارج . وهذا الاعتراض نشأ عن جملة { ولتعلم أن وعد الله حق } [ القصص : 13 ] فإن وعد الله لها قد حكي في قوله تعالى { إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين } [ القصص : 7 ] . فلما انتهى إلى حكاية رده إلى أمه بقوله { فرددناه إلى أمه كي تقرَّ عينُها } [ القصص : 13 ] إلى آخره كمّل ما فيه وفاء وعد الله إياها بهذا الاستطراد في قوله { ولما بلغ أشدّه واستوى ءاتيناه حكماً وعلماً } وإنما أوتي الحكم أعني النبوءة بعد خروجه من أرض مدين كما سيجيء في قوله تعالى { فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله } [ القصص : 29 ] . وتقدم نظير هذه الآية في سورة يوسف ، إلا قوله { واستوى } فقيل : إن { استوى } بمعنى بلغ أشده ، فيكون تأكيداً ، و الحق أن الأشد كمال القوة لأن أصله جمع شدة بكسر الشين بوزن نعمة وأنعم وهي اسم هيئة بمعنى القوة ثم عومل معاملة المفرد . وأن الاستواء : كمال البنية كقوله تعالى في وصف الزرع { فاستغلظ فاستوى على سوقه } [ الفتح : 29 ] ، ولهذا أريد لموسى الوصف بالاستواء ولم يوصف يوسف إلا ببلوغ الأشد خاصة لأن موسى كان رجلاً طوالاً كما في الحديث « كأنه من رجال شنُؤة » فكان كامل الأعضاء ولذلك كان وكزه القبطي قاضياً على الموكوز . والحكم : الحكمة ، والعلم : المعرفة بالله .