التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ} (11)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أن مردهم إليه لا محالة بعد أن يقبض ملك الموت أرواحهم فقال : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } .

وقوله { يَتَوَفَّاكُم } من التوفى . وأصله أخذ الشئ وافيا تاما . يقال : توفاه الله ، أى : استوفى روحه وقبضها ، وتوفيت مالى بمعنى استوفيته والمراد بملك الموت : عزرائيل .

أى : قل - أيها الرسول الكريم - فى الرد على هؤلاء الجاحدين : سيتولى قبض أرواحكم عند انتهاء آجالكم ملك الموت الذى كلفه الله - تعالى - بذلك ثم إلى ربكم ترجعون ، فيجازيكم بما تستحقونه من عقاب ، بسبب كفرهم وجحودكم .

وأسند - سبحانه - هنا التوفى إلأى ملك الموت ، لأنه هو المأمور بقبض الأرواح . وأسنده إلى الملائكة فى قوله - تعالى - { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة } لأنهم أعوان ملك الموت الذين كلفهم الله بذلك .

وأسنده - سبحانه - إلى ذاته فى قوله : { الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا } لأن كل شئ كائنا ما كان ، لا يكون إلا بقضائه وقدره .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ} (11)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ يَتَوَفّاكُم مّلَكُ الْمَوْتِ الّذِي وُكّلَ بِكُمْ ثُمّ إِلَىَ رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ } .

يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله : يتوفاكم ملك الموت ، يقول : يستوفي عددكم بقبض أرواحكم ملك الموت الذي وكل بقبض أرواحكم ومنه قول الراجز :

إنّ بَنِي الأَدْرَمِ لَيْسُوا مِنْ أحَدْ *** وَلا تَوَفّاهُمْ قُرَيْشٌ فِي العَدَدْ

ثُمّ إلى رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ يقول : من بعد قبض ملك الموت أرواحكم إلى ربكم يوم القيامة تردّون أحياء كهيئتكم قبل وفاتكم ، فيجازى المحسن منكم بإحسانه ، والمُسيء بإساءته .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ المَوْتِ الّذِي وُكّلَ بِكُمْ قال : ملك الموت يتوفاكم ، ومعه أعوان من الملائكة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ المَوْتِ قال : حُوِيَت له الأرض ، فجُعلت له مثل الطست يتناول منها حيث يشاء .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد ، بنحوه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ} (11)

و { ملك الموت } اسمه عزرائيل وتصرفه كله بأمر الله وبخلقه واختراعه وروي في الحديث أن البهائم كلها يتوفى الله روحها دون ملك .

قال الفقيه الإمام القاضي : كأن يعدم حياتها{[9422]} ، وكذلك الأمر في بني آدم إلا أنه نوع شرف بتصرف ملك وملائكة معه في قبض أرواحهم ، وكذلك أيضاً غلظ العذاب على الكافرين بذلك ، وروي عن مجاهد : أن الدنيا بين يدي ملك الموت كالطست بين يدي الإنسان يأخذ من حيث أمر .


[9422]:نقل القرطبي عن ابن عطية هذا الحديث وتعليقه عليه بقوله: "كأنه يعدم حياتها"، ثم قال: "وقد روي خلافه، وأن ملك الموت يتوفى أرواح جميع الخلائق حتى البرغوث والبعوضة"، ثم ذكر الحديث الذي أخرجه ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن جعفر بن محمد، ولفظه: سمعت أبي يقول: (نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا ملك الموت ارفق بصاحبي فإنه مؤمن، فقال ملك الموت:يا محمد، طب نفسا وقر عينا، فإني بكل مؤمن رفيق، واعلم أن ما في الأرض بيت مدر ولا شعر في بر ولا بحر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات، حتى إني أعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم، والله يا محمد لو أني أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو الآمر بقبضها). وقد ذكر ابن كثير الحديث بنفس السند، وعقب عليه بكلام لجعفر بن محمد راوي الحديث.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ} (11)

استئناف ابتدائي جار على طريقة حكاية المقاولات لأن جملة { قل } في معنى جواب لقولهم { أإذا ضللنا في الأرض إنّا لفي خلق جديد } [ السجدة : 10 ] ؛ أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يعيد إعلامهم بأنهم مبعوثون بعد الموت . فالمقصود من الجملة هو قوله { ثم إلى ربكم ترجعون } إذ هو مناط إنكارهم ، وأما إنهم يتوفّاهم ملك الموت فذكره لتذكيرهم بالموت وهم لا ينكرون ذلك ولكنهم ألهتهم الحياة الدنيا عن النظر في إمكان البعث والاستعداد له فذكروا به ثم أدمج فيه ذكر ملك الموت لزيادة التخويف من الموت والتعريض بالوعيد من قوله { الذي وُكِّل بكم } فإنه موكل بكل ميت بما يناسب معاملته عند قبض روحه . وفيه إبطال لجهلهم بأن الموت بيد الله تعالى وأنه كما خلقهم يميتهم وكما يميتهم يحييهم ، وأن الإماتة والإحياء بإذنه وتسخير ملائكته في الحالين . وذلك إبطال لقولهم { ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا } [ الجاثية : 24 ] فأعلمهم الله أنهم لا يخرجون عن قبضة تصرفه طرفة عين لا في حال الحياة ولا في حال الممات . وإذا كان موتهم بفعل ملك الموت الموكل من الله بقبض أرواحهم ظهر أنهم مردودة إليهم أرواحهم متى شاء الله .

والتوفّي : الإماتة . وتقدم في قوله تعالى : { وهو الذي يتوفاكم بالليل } في سورة الأنعام ( 60 ) ، وقوله : { ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة } في سورة الأنفال ( 50 ) .

وملك الموت هو الملك الموكّل بقبض الأرواح وقد ورد ذكره في القرآن مفرداً كما هنا وورد مجموعاً في قوله : { ولو تَرى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة } في سورة الأنفال ( 50 ) ، وقوله : { تَوفّتْه رسُلُنا } في سورة الأنعام ( 61 ) ، وذلك أن الله جعل ملائكة كثيرين لقبض الأرواح وجعل مُبلِّغ أمر الله بذلك عزرائيل فإسناد التوفّي إليه كإسناده إلى الله في قوله { الله يتوفّى الأنفس } [ الزمر : 42 ] ، وجعل الملائكة الموكلين بقبض الأرواح أعواناً له وأولئك يسلمون الأرواح إلى عزرائيل فهو يقبضها ويودعها في مقارها التي أعدها الله لها ، ولم يرد اسم عزرائيل في القرآن . وقيل : إن ملك الموت في هذه الآية مراد به الجنس فتكون كقوله { توفته رسلنا } [ الأنعام : 61 ] .