التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦٓ أَنجَيۡنَا ٱلَّذِينَ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلسُّوٓءِ وَأَخَذۡنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابِۭ بَـِٔيسِۭ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (165)

ثم بين - سبحانه - عاقبة كل من الفرقة الناهية والعاصية فقال تعالى { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السواء وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } أى : فلما لج الظالمون في طغيانهم ، وعموا وصموا عن النصيحة أنجينا الناصحين ، وأخذنا العادين بعذاب شديد لا رحمة فيه بسبب خروجهم على أوامر الله .

والآية الكريمة صرحية في بيان أن الذين أخذوا بالعذاب البئيس هم الظالمون المعتدون وأن الذين نجوا هم الناهون عن السوء ، أما الفرقة الثالثة التي لامت الناهين عن السوء على وعظهم للمعتدين ، فقد سكتت عنها .

ويرى بعض المفسرين : أنها لم تنج ، لأنها لم تنه عن المنكر . فضلا عن أنها لامت الناصحين لغيرهم .

ويرى جمهور المفسرين : أنها نجت ، لأنها كانت كارهة لما فعله العادون في السبت ولم ترتكب شيئاً مما ارتكبوه ، وإذا كانت قد سكتت عن النصيحة ، فلأنها كانت يائسة من صلاح المعتدين ، ومقتنعة بأن القوم قد أصبحوا محل سخط الله وعذابه ، فلا جدوى وراء وعظهم ، وإلى هذا الرأى ذهب صاحب الكشاف وغيره .

قال صاحب الكشاف : ( فإن قلت : الأمة الذين قالوا لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً - من أى الفريقين هم ؟ أمن فريق الناجين أم من فريق المعذبين .

قلت من فريق الناجين ، لأنهم من فريق الناهين ، غرضاً صحيحاً لعلمهم بحال القوم . وإذا علم الناهى حال المنهى ، وأن النهى لا يؤثر فيه ، سقط عنه النهى ، وربما وجب الترك لدخوله في باب العبث ، ألا ترى أنك لو ذهبت إلى المكاسين القاعدين على المآصر والجلادين المرتبين للتعذيب ، لتعظهم وتكفهم عما هم فيه ، كان ذلك عبثاً منك ، ولم يكن إلا سبباً للتلهى بك ، أما الآخرون فإنهم لم يعرضوا عنهم ، إما لأن يأسهم لم يستحكم كما استحكم يأس الأولين ، ولم يخبرهم كما خبروهم . أو لفرط حرصهم وجدهم في أمرهم ، كما وصف الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام في قوله { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث أَسَفاً } وقال الإمام ابن كثير : ( ويروى عن ابن عباس - رضى الله عنهما - أنه قال عندما سئل عن مصير الفرقة اللائمة ، ما أدرى ما فعل بهم ، ثم صار إلى نجاتهم لما قال له غلامه عكرمة : ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم فقال { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } قال عكرمة : فلم أزل به حتى عرفته أنهم نجوا فكسانى حلة ) .

والذى نرجحه أن مصير هذه الفرقة مفوض إلى الله ، لأنه لم يرد نص صحيح في شأنها ، فإن الآية الكريمة قد ذكرت صراحة عاقبة كل من الناصحين والعادين ولم تذكر مصير الفرقة اللائمة للناصحين ولعل ذلك مرجعه إلى أنها وقفت من العادين ولم تذكر في السبت موقفاً سلبياً استحقت معه الإهمال ، إن لم تكن بسببه أهلا للمؤاخذة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦٓ أَنجَيۡنَا ٱلَّذِينَ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلسُّوٓءِ وَأَخَذۡنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابِۭ بَـِٔيسِۭ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (165)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَماّ نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُوَءِ وَأَخَذْنَا الّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : فلما تركت الطائفة التي اعتدت في السبت ما أمرها الله به من ترك الاعتداء فيه وضيعت ما وعظتها الطائفة الواعظة وذكرتها ما ذكرتها به من تحذيرها عقوبة الله على معصيتها فتقدمت على استحلال ما حرّم الله عليها ، أنجى الله الذين ينهون منهم عن السوء ، يعني عن معصية الله ، واستحلال حرمه . وأخَذْنا الّذِينَ ظَلَمُوا يقول : وأخذ الله الذين اعتدوا في السبت فاستحلوا فيه ما حرّم الله من صيد السمك وأكله ، فأحلّ بهم بأسه وأهلكهم . بِعَذَابٍ شديد بِئِيسٍ بِمَا كانُوا يَفْسُقونَ يخالفون أمر الله ، فيخرجون من طاعته إلى معصيته ، وذلك هو الفسق .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، في قوله : فَلمّا نَسُوا ما ذُكّرُوا بِهِ أنْجَيْنا الّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السّوءِ قال : فلما نسوا موعظة المؤمنين إياهم ، الذين قالوا : لِمَ تَعِظُونَ قَوْما .

حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا حرميّ ، قال : ثني شعبة ، قال : أخبرني عمارة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنْجَيْنا الّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السّوءِ قال : يا ليت شعري ما السوء الذي نهوا عنه .

وأما قوله : بِعَذَابٍ بَئِيسٍ فإن القرّاء اختلفت في قراءته ، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة : «بِعَذَابٍ بِيسٍ » بكسر الباء وتخفيف الياء بغير همز ، على مثال «فِعْل » . وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة والبصرة : بِعَذَابِ بَئِيسٍ على مثل «فعيل » من البؤس ، بنصب الباء وكسر الهمزة ومدّها . وقرأ ذلك كذلك بعض المكيين ، غير أنه كسر بار : «بِئِيسٍ » على مثال «فِعِيل » . وقرأه بعض الكوفيين : «بَيْئِسٍ » بفتح الباء ، وتسكين الياء ، وهمزة بعدها مكسورة على مثال «فَيْعِلٍ » . وذلك شاذّ عند أهل العربية ، لأن «فيعل » إذا لم يكن من ذوات الياء والواو ، فالفتح في عينه الفصيح في كلام العرب ، وذلك مثل قولهم في نظيره من السالم : صيقل ، ونيرب ، وإنما تكسر العين من ذلك في ذوات الياء والواو ، كقولهم : سيد ، وميت . وقد أنشد بعضهم قول امرىء القيس بن عابس الكنديّ :

كِلاهُما كانَ رَئِيسا بَيْئِسَا ***يَضْرِبُ فِي يَوْمِ الهِياجِ القَوْنَسا

بكسر العين من «فَيْعِل » ، وهي الهمزة من بيئِس . فلعلّ الذي قرأ ذلك كذلك قرأه على هذه . وذكر عن آخر من الكوفيين أيضا أنه قرأه : بَيْئَس نحو القراءة التي ذكرناها قبل هذه ، وذلك بفتح الباء وتسكين الياء وفتح الهمزة بعد الياء على مثال «فَيْعَل » مثل «صَيْقَل » . وروي عن بعض البصريين أنه قرأه : «بَئِس » بفتح الباء وكسر الهمزة على مثال «فَعِل » ، كما قال ابن قيس الرقيات :

لَيْتَنِي ألْقَي رُقَيّةَ فِي ***خَلْوَةٍ مِنْ غيرِ ما بَئِسِ

وروى عن آخر منهم أنه قرأ : «بِئْسَ » بكسر الباء وفتح السين على معنى بئس العذاب .

وأولى هذه القراءات عندي بالصواب قراءة من قرأه : بَئِيس بفتح الباء وكسر الهمزة ومدّها على مثال فَعِيل ، كما قال ذو الأصبع العدواني :

حَنَقا عَليّ وَلَنْ تَرَى ***لي فِيهِمُ أثَرا بَئِيسا

لأن أهل التأويل أجمعوا على أن معناه شديد ، فدلّ ذلك على صحة ما اخترنا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني رجل عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : وأخَذْنا الّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ : أليم وجيع .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : بِعَذَابٍ بَئِيسٍ قال : شديد .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : بِعَذَابٍ بَئِيسٍ : أليم شديد .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : بِعَذَابٍ بَئِيسٍ قال : موجع .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : بِعَذَابٍ بَئِيسٍ قال : بعذاب شديد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦٓ أَنجَيۡنَا ٱلَّذِينَ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلسُّوٓءِ وَأَخَذۡنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابِۭ بَـِٔيسِۭ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (165)

والضمير في قوله : { نسوا } للمهنيين وهو ترك سمي نسياناً مبالغة إذ أقوى منازل الترك أن ينسى المتروك . و { ما } في قوله : { ما ذكروا به } معنى الذي ، ويحتمل أن يراد به الذكر نفسه ، ويحتمل أن يراد به ما كان فيه الذكر ، و { السوء } لفظ عام في جميع المعاصي إلا أن الذي يختص هنا بحسب قصص الآية صيد الحوت ، و { الذين ظلموا } هم العاصون ، وقوله : { بعذاب بئيس } معناه مؤلم موجع شديد ، وقرأ نافع وأهل المدينة أبو جعفر وشيبة وغيرهما «بَيْسٍ » بكسر الباء وسكون الياء وكسر السين وتنوينها ، وهذا على أنه فعل سمي به كقوله صلى الله عليه وسلم «أنهاكم عن قيل وقال » وقرأ الحسن بن أبي الحسن «بيس » كما تقول بيس الرجل وضعّفها أبو حاتم ، قال أبو عمرو : وروي عن الحسن «بئس » بهمزة بين الباء والسين ، وقرأ نافع فيما يروي عنه خارجه «بَيْسٍ » بفتح الباء وسكون الياء وكسر السين منونة ، وروى مالك بن دينار عن نصر بن عاصم «بَيَس » بفتح الباء والياء منونة على مثل جمل وجيل ، وقرأ أبو عبد الرحمن المقري «بَئِس » بفتح الباء وهمزة مكسورة وسين منونة على وزن فعل ، ومنه قول عبد الله بن قيس الرقيات : [ المديد ]

ليتني ألقى رقية في*** خلوة من غير ما بئس

قال أبو عمرو الداني هي قراءة نصر بن عاصم وطلحة بن مصرف ، وروي عن نصر «بِيس » بباء مكسورة من غيرهم ، قال الزهراوي وروي عن الأعمش «بئِّسٍ » الباء مفتوحة والهمزة مكسورة مشددة والسين مكسورة منونة ، وقرأت فرقة «بئس » كالتي قبل إلا فتح السين ، ذكرها أبو عمرو الداني عما حكى يعقوب ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ونافع في رواية أبي قرة عنه وعاصم في رواية حفص عنه «بئيسٍ » بباء بعد الهمزة المكسورة والسين المنونة على وزن فعيل ، وهذا وصف بالمصدر كقولهم عذير الحي والنذير والنكير ، ونحو ذلك ، وهي قراءة الأعرج ومجاهد وأهل الحجاز وأبي عبد الرحمن ونصر بن عاصم والأعمش وهي التي رجح أبو حاتم ، ومنه قول ذي الأصبع العدواني : [ مجزوء الكامل ]

حنقاً عليّ ولا أرى*** لي منهما نشراً بئيسا

وقرى أهل مكة «بئيس » كالأول إلا كسر الباء على وزن فعيل قال أبو حاتم : هما لغتان ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه «بَيْئسَ » بفتح الباء وسكون الياء وفتح الهمزة على وزن فيعَل ومعناه شديد ، ومنه قول امرىء القيس بن عابس الكندي : [ الرجز ]

كلاهما كان رييساً بَيْئَسا*** يضرب في يوم الهياج القونسا

فهي صفة كضيغم وحيدر ، وهي قراءة الأعمش ، وقرأ عيسى بن عمر والأعمش بخلاف عنه «بَيْئِس » كالتي قبل إلا كسر الهمزة على وزن فيعِل ، وهذا شاذ لأنه لا يوجد فعِل في الصحيح وإنما يوجد في المعتل مثل سيد وميت ، وقال الزهراوي : روى نصر عن عاصم «بيْس » على مثال ميت وهذا على أنه من البوس لا أصل له في الهمز ، قال أبو حاتم زعم عصمة أن الحسن والأعمش قرءا «بِئْيَس » الباء مكسورة والهمزة ساكنة والياء مفتوحة على مثال خِدْيَم ، وضعفها أبو حاتم ، وقرأ ابن عامر من السبعة «بِئْسٍ » بكسر الباء وسكون الهمزة وتنوين السين المكسورة وقرأت فرقة «بَأْس » بفتح الباء وسكون الألف ، وقرأ أبو رجاء «بائِس » على وزن فاعِل ، وقرأ فرقة «بَيَسَ » بفتح الباء والياء والسين على وزن فَعَلَ ، وقرأ مالك بن دينار «بَأْسَ » بفتح الباء والسين وسكون الهمزة على وزن فَعْلَ غير مصروف ، وقرأت فرقة «بأس » مصروفاً ، وحكى أبو حاتم «بيس » قال أبو الفتح هي قراءة نصر بن عاصم ، وحكى الزهراوي عن ابن كثير وأهل مكة «بِيِس » بكسر الباء وبهمز همزاً خفيفاً .

قال القاضي أبو محمد : ولم يبين هل الهمزة مكسورة أو ساكنة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦٓ أَنجَيۡنَا ٱلَّذِينَ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلسُّوٓءِ وَأَخَذۡنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابِۭ بَـِٔيسِۭ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (165)

ضمير { نسوا } عائد إلى { قوماً } والنسيان مستعمل في الإعراض المفضي إلى النسيان كما تقدم عند قوله تعالى : { فلما نسوا ما ذُكروا به } في سورة الأنعام ( 44 ) .

والذين ينهون عن السوء } هم الفريقان المذكوران في قوله آنفاً { وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً } إلى قوله { ولعلهم يتقون } ، و { الذين ظلموا } هم القوم المذكورون في قوله : { قوماً الله مُهلكهم } إلخ .

والظلم هنا بمعنى العصيان ، وهو ظلم النفس ، حق الله تعالى في عدم الامتثال لأمره .

و { بِيسٍ } قرأه نافع وأبو جعفر بكسر الباء الموحدة مشبعة بياء تحتية ساكنة وبتنوين السين على أن أصله بئْس بسكون الهمزة فخففت الهمزة ياء مثل قولهم : ذِيب في ذِئْب .

وقرأه ابن عامر { بئْس } بالهمزة الساكنة وإبقاء التنوين على أن أصله بَئيس .

وقرأه الجمهور { بَئيس } بفتح الموحدة وهمزة مكسورة بعدها تحتية ساكنة وتنوين السين على أنه مثالُ مبالغة من فعل بَؤُس بفتح الموحدة وضم الهمزة إذا أصابه البؤس ، وهو الشدة من الضر .

أو على أنه مصدر مثل عَذير ونَكير .

وقرأه أبو بكر عن عاصم { بَيْئسَ } بوزنَ صَيْقل ، على أنه اسم للموصوف بفعل البؤس مبالغة ، والمعنى ، على جميع القراءات : أنه عذاب شديد الضر .

وقوله : { بما كانوا يفسقون } تقدم القول في نظيره قريباً .

وقد أجمل هذا العذاب هنا ، فقيل هو عذاب غير المسخ المذكور بعده ، وهو عذاب أصيب به الذين نَسوا ما ذُكروا به ، فيكون المسخ عذاباً ثانياً أصيب به فريق شاهدوا العذاب الذي حل بإخوانهم ، وهو عذاب أشد ، وقع بعد العذاب البيس ، أي أن الله أعذر إليهم فابتدأهم بعذاب الشدة ، فلما لم ينتهوا وعتوا ، سلّط عليهم عذاب المسخ .

وقيل : العذاب البِئس هو المسخ ، فيكون قوله : { فلما عتوا عما نهوا عنه } بياناً »جمال العذاب البئس ، ويكون قوله : { فلما عتوا } بمنزلة التأكيد لقوله : { فلما نسوا } صيغ بهذا الأسلوب لتهويل النسيان والعتو ، ويكون المعنى : أن النسيان ، وهو الإعراض ، وقع مقارناً للعتو .

و { ما ذكّروا به } و { ما نُهوا عنه } ما صْدَقُهما شيء واحد ، فكان مقتضى الظاهر أن يقال : فلما نسوا وَعتوا عما نهوا عنه وذُكروا به قلنا لهم الخ ، فعدل عن مقتضى الظاهر إلى هذا الأسلوب من الإطناب لتهويل أمر العذاب ، وتكثير أشكاله ، ومقام التهويل من مقتضيات الأطناب ، وهذا كإعادة التشبيه في قول لبيد :

فتنازعا سبطاً يطير ظلاله *** كدخان مُشعَلة يشبّ ضرامها

مشمولـةٍ غُلِثت بنابت عَرفج *** كدُخان نار ساطع أسنامها

ولكن أسلوب الآية أبلغ وأوفر فائدة ، وأبعد عن التكرير اللفظي ، فما في بيت لبيد كلامٌ بليغ ، وما في الآية كلام معجز .