التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (38)

ثم ذكر - سبحانه - صفات كريمة لهم فقال : { والذين استجابوا لِرَبِّهِمْ } أى أطاعوه فى كل ما أمرهم به ، أو نهاهم عنه . .

{ وَأَقَامُواْ الصلاة } أى : حافظوا عليها ، وأدوها فى أوقاتها بخشوع وإخلاص لله رب العالمين .

{ وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ } أى : شأنهم أنهم إذا حدث بينهم أمر هام يحتاج إلى المراجعة والمناقشة ، تجمعوا وتشاوروا فيما هو أنفع وأصلح .

قال القرطبى ما ملخصه : قوله - تعالى - : { وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ } أى : يتشاورون فى الأمور .

والشورى مصدر شاورته - والتشاور : استخراج الرأى من الغير . .

قال الحسن : ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمورهم .

وقال ابن العربى : الشورى : ألفة للجماعة ومسبار للعقول ، وسبب إلى الصواب .

وقد قال الشاعر الحكيم :

إذا بلغ الرأى المشورة فاستعن . . . برأى لبيب أو نصيحة حازم

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة . . . فإن الخوافى قوة للقوادم

وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يستشير أصحابه فى الأمور التى تتعلق بالحروب وما يشببها من الأمور الدنيوية ، ولم يكن يشاورهم فى الأحكام لأنها منزلة من عند الله - تعالى - .

فأما الصحابة فكانوا يتشاورون فى الأحكام ، ويستنطبونها من الكتاب والسنة ، فقد تشاوروا فى الخلافة بعد موت الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفى ميراث الجد ، وفى حروب المرتدين .

وقوله { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } أى ومن صفات هؤلاء المؤمنين الصادقين - أيضا - أنهم مما أعطيناهم من الرزق ، يتصدقون على غيرهم من المحتاجين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (38)

وقوله : وَالّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبّهِمْ وأقامُوا الصّلاةَ يقول تعالى ذكره : والذين أجابوا لربهم حين دعاهم إلى توحيده ، والإقرار بوحدانيته والبراءة من عبادة كل ما يعبد دونه وأقامُوا الصّلاةَ المفروضة بحدودها في أوقاتها وأمْرهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ يقول : وإذا حزبهم أمر تشاوروا بينهم ، ومِمّا رَزْقْناهُمْ يُنْفِقُونَ يقول : ومن الأموال التي رزقناهم ينفقون في سبيل الله ، ويؤدّون ما فرض عليهم من الحقوق لأهلها من زكاة ونفقة على من تجب عليه نفقته . وكان ابن زيد يقول : عنى بقوله : وَالّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبّهِمْ . . . الاَية الأنصار .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، وقرأ وَالّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْم والفَوَاحِشَ وَإذَا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ قال : فبدأ بهم وَالّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبّهِمْ الأنصار وأقامُوا الصّلاةَ وليس فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ليس فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (38)

وقوله تعالى : { والذين استجابوا } مدح لكل من آمن بالله وقبل شرعه ، ومدح تعالى القوم الذين أمرهم شورى بينهم ، لأن في ذلك اجتماع الكلمة والتحاب واتصال الأيدي والتعاضد على الخير ، وفي الحديث : «ما تشاور قوم إلا هدوا لأحسن ما بحضرتهم »{[10160]} .

وقوله : { ومما رزقناهم ينفقون } معناه في سبيل الله وبرسم الشرع وعلى حدوده ، وفي القوام الذي مدحه تعالى في غير هذه الآية . وقال ابن زيد قوله تعالى : { والذين استجابوا لربهم } الآية نزلت في الأنصار ، والظاهر أن الله تعالى مدح كل من اتصف بهذه الصفة كائناً من كان ، وهل حصل الأنصار في هذه الصفة إلا بعد سبق المهاجرين لها رضي الله تعالى عن جميعهم بمنه .


[10160]:قال في الدر المنثور: (أخرج عبد بن حميد، والبخاري في الأدب، وابن المنذر، عن الحسن رضي الله عنه، قال: ما تشاور قوم قط إلا هدوا وأرشد أمرهم، ثم تلا {وأمرهم شورى بينهم}، ومعنى هذا أنه غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.