ثم بين - سبحانه - ما أعده للمؤمنين الذين يبذلون أموالهم فى سبيله . والذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه . فقال : { إِنَّ المصدقين والمصدقات وَأَقْرَضُواْ الله قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } .
وقراءة : { إِنَّ المصدقين والمصدقات } بتشديد الصاد - من التصدق ، فأدغمت التاء فى الصاد بعد قلبها صادا لقرب مخرجيهما . . . وأصل الكلام : المتصدقين والمتصدقات .
وقرأ ابن كثير وغيره { إِنَّ المصدقين والمصدقات } - بتخفيف الصاد - على أنه من التصديق لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : علام عطف قوله : { وَأَقْرَضُواْ } ؟
قلت : على معنى الفعل فى المصدقين ، لأن " أل " بمعنى الذين ، واسم الفاعل بمعنى : اصّدقوا ، فكأنه قيل : " إن الذين اصدقوا وأقرضوا " .
والمعنى : إن المؤمنين والمؤمنات الذين تصدقوا بأموالهم فى وجوه الخير والدين { وَأَقْرَضُواْ الله قَرْضاً حَسَناً } بأن أنفقوا أموالهم الحلال فى سبيل الله بدون من أو أذى .
هؤلاء الذين فعلوا ذلك { يُضَاعَفُ لَهُمْ } أجرهم عند الله - تعالى - أضعافا كثيرة
{ وَلَهُمْ } فضلا عن كل ذلك ، أجر كريم ، لا يعلم مقداره إلا هو - سبحانه - .
وقوله : إنّ المُصّدّقِينَ وَالمُصّدّقاتِ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار ، خلا ابن كثير وعاصم بتشديد الصاد والدال ، بمعنى أن المتصدّقين والمتصدّقات ، ثم تُدغم التاء في الصاد ، فتجعلها صادا مشدّدة ، كما قيل : يا أيها المُزّمّلُ يعني المتزمل . وقرأ ابن كثير وعاصم «إنّ المُصَدّقِينَ والمُصَدقاتِ » بتخفيف الصاد وتشديد الدال ، بمعنى : إن الذين صدقوا الله ورسوله .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان صحيح معنى كلّ واحدة منهما فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .
فتأويل الكلام إذن على قراءة من قرأ ذلك بالتشديد في الحرفين : أعني في الصاد والدال ، أن المتصدّقين من أموالهم والمتصدّقات وأقْرَضُوا للّهِ قَرْضا حَسَنا يعني بالنفقة في سبيله ، وفيما أمر بالنفقة فيه ، أو فيما ندب إليه يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أجْرٌ كَرِيمٌ يقول : يضاعف الله لهم قروضهم التي أقرضوها إياه ، فيوفيهم ثوابها يوم القيامة ، وَلَهُمْ أجْرٌ كَرِيمٌ يقول : ولهم ثواب من الله على صدقهم ، وقروضهم إياه كريم ، وذلك الجنة .
قرأ جمهور القراء : «إن المصَّدقين » بشد الصاد المفتوحة على معنى المتصدقين ، وفي مصحف أبيّ بن كعب : «إن المتصدقين » ، فهذا يؤيد هذه القراءة ، وأيضاً فيجيء قوله تعالى : { وأقرضوا الله قرضاً حسناً } ملائماً في الكلام للصدقة . وقرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم «إن المصَدقين » بتخفيف الصاد على معنى : إن الذين صدقوا رسول الله فيما بلغ عن الله وآمنوا به ، ويؤيد هذه القراءة أنها أكثر تناولاً ، لأن كثيراً ممن لا يتصدق يعمه اللفظ في التصديق . ثم إن تقييدهم بقوله : { وأقرضوا } يرد مقصد القراءتين قريباً بعضه من بعض .
وقوله : { أقرضوا } معطوف على المعنى ، لأن معنى قوله : { إن المصدقين والمصدقات } إن الذين تصدقوا ، ولا يصح هنا عطف لفظي ، قاله أبو علي في الحجة . وقد تقدم معنى القرض ، ومعنى المضاعفة التي وعد الله بها هذه الأمة . وقد تقدم معنى وصف الأجر بالكريم ، كل ذلك في هذه السورة .
قال القاضي أبو محمد : ويؤيد عندي قراءة من قرأ : «إن المصّدقين » بشد الصاد . إن الله تعالى حض في هذه الآية على الإنفاق وفي سبيل الله تعالى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.