ثم حكى - سبحانه - بعض الأقوال الباطلة التى قالها المشركون فى شأن القرآن الكريم ، وصور أحوالهم السيئة يوم العرض والحساب ، وكيف أن كل فريق منهم صار يلقى التبعة على غيره ، قال - تعالى - : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ . . . هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .
والمراد بالذى بين يديه فى قوله - تعالى - : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بهذا القرآن وَلاَ بالذي بَيْنَ يَدَيْهِ } الكتب السماوية السابقة كالتوراة والإِنجيل .
قالوا : وذلك لأن المشركين سألوا بعض أهل الكتاب ، عن الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبروهم بأن صفاته فى التوراة والإِنجيل ، فغضبوا وقالوا ما قالوا . .
أى : وقال الذين كفروا بإصرار وعناد وجحود لكل ما هو حق : قالوا لن نؤمن بهذا القرآن الذى جئت به يا محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربك ، ولا نؤمن - أيضا - بالكتب السماوية الأخرى التى تؤيد أنك رسول من عند الله - تعالى - فالآية الكريمة تحكى ما جبل عليه هؤلاء الكافرون من تصميم على الباطل ، ومن نبذ للحق مهما تعددت مصادره .
قال الإِمام الرازى : لما بين - سبحانه - الأمور الثلاثة ، من التوحيد والرسالة والحشر ، وكانوا بالكل كافرين ، بيَّن كفرهم العام بقوله : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بهذا القرآن وَلاَ بالذي بَيْنَ يَدَيْهِ } وقوله : { وَلاَ بالذي بَيْنَ يَدَيْهِ } المشهور أنه التوراة والإِنجيل ، وعلى هذا فالمراد بالذين كفروا ، المشركون المنكرون للنبوات والحشر .
ويحتمل أن يكون المعنى ، لن نؤمن بهذا القرآن ولا بما فيه من الأخبار والآيات والدلائل فيكون المراد بالذى بين يديه ما اشتمل عليه من أخبار وأحكام - ويكون المراد بالذين كفروا عموم الكافرين بما فيهم أهل الكتاب لأن الجميع لا يؤمن بالقرآن ولا بما اشتمل عليه .
وقوله - تعالى - : { وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ القول } بيان لأحواله السيئة يوم القيامة ، ولإِصرارهم على الكفر .
و { لَوْ } شرطية ، وجوابها محذوف كما أن مفعول { ترى } محذوف أيضا و { مَوْقُوفُونَ } أى محبوسون للحساب يوم القيامة .
يقال : وقفت الرجل عن فعل هذا الشئ ، إذا منعته وحجزته عن فعله .
أى : ولو ترى - أيها المخاطب - حال الظالمين وقت احتباسهم عند ربهم يوم القيامة ، وهم يتحاورون ويتجادلون فيما بينهم بالأقوال السيئة وكل فريق ، يلقى التبعة على غيره .
لو ترى ذلك لرأيت أمرا عجيبا ، وحالا فظيعة ، تنفطر لها القلوب ، وترتعد من هولها النفوس .
والتعبير بقوله - سبحانه - : { مَوْقُوفُونَ } يشعر بذلتهم وبؤسهم ، فهم محبوسون للحاسب على غير إرادة منهم ، كما يحبس المجرم فى سجنه انتظارا لمصيره السيئ .
وقوله : { عِندَ رَبِّهِمْ } تبكيت وتوبيخ لهم ، على ما كانوا يفعلونه فى الدنيا من إنكار لليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب وحساب .
وقوله - سبحانه - : { يَقُولُ الذين استضعفوا لِلَّذِينَ استكبروا لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } تفصيل لجانب من محارواتهم فيما بينهم ، ولما كانوا يراجعون فيه القول بعضهم مع بعض .
والمراد بالذين استضعفوا : الأتباع والعامة من الناس ، والمراد بالذين استكبروا : الزعماء والقادة والرؤساء .
أى : يقول الأتباع من الكافرين لقادتهم ورؤسائهم بغيظ وحسرة ، لولا أنتم منعتمونا عن اتباع الحق لكنا مؤمنين به ، ومتبعين لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .
إنهم يقولون لهم فى موقف الحساب يوم القيامة ، ما كانوا عاجزين عن قوله فى الدنيا . عندما كانوا مستذلين لهم ، وخاضعين لسلطانهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ لَن نّؤْمِنَ بِهََذَا الْقُرْآنِ وَلاَ بِالّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَىَ إِذِ الظّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِلّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنّا مُؤْمِنِينَ } .
يقول تعالى ذكره : وَقَالَ الّذِينَ كَفَروا من مشركي العرب : لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا القُرآنِ الذي جاءنا به محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا بالكتاب الذي جاء به غيره من بين يديه ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا القُرآنِ وَلا بالّذِي بينَ يَدَيْهِ قال : قال المشركون : لن نؤمن بهذا القرآن ، وَلا بالّذِي بينَ يَدَيْهِ من الكتب والأنبياء .
وقوله : وَلَوْ تَرَى إذِ الظّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبّهِمْ يتلاومون ، يحاور بعضهم بعضا ، يقول المستضعفون في الدنيا للذين كانوا عليهم فيها يستكبرون : لولا أنتم أيها الرؤساء والكبراء في الدْنيا لكنا مؤمنين بالله وآياته .
{ وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه } ولا بما تقدمه من الكتب الدالة على النعت . قيل أن كفار مكة سألوا أهل الكتاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبروهم أنهم يجدون نعته في كتبهم فغضبوا وقالوا ذلك ، وقيل الذي بين يديه يوم القيامة . { ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم } أي في موضع المحاسبة . { يرجع بعضهم إلى بعض القول } يتحاورون ويتراجعون القول . { يقول الذي استضعفوا } يقول الأتباع . { للذين استكبروا } للرؤساء . { لولا أنتم } لولا إضلالكم وصدكم إيانا عن الإيمان . { لكنا مؤمنين } باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم .
حكيت في هذه الآية مقالة قالها بعض قريش وهي أنهم لا يؤمنون بالقرآن ولا بما بين يديه من التوراة والإنجيل والزبور فكأنهم كذبوا بجميع كتب الله وإنما فعلوا هذا لما وقع الاحتجاج عليهم بما في التوراة من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وقالت فرقة : «الذي بين يديه » هي الساعة والقيامة .
قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا خطأ قائله لم يفهم أمر بين اليد في اللغة وأنه المتقدم في الزمان وقد بيناه فيما تقدم ، ثم أخبر الله تعالى نبيه عن حالة الظالمين في صيغة التعجيب من حالهم ، وجواب { لو } محذوف ، وقوله { يرجع بعضهم إلى بعض القول } أي يرد ، أي يتحاورون ويتجادلون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.