التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِذٗا لَّأَذَقۡنَٰكَ ضِعۡفَ ٱلۡحَيَوٰةِ وَضِعۡفَ ٱلۡمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيۡنَا نَصِيرٗا} (75)

ثم بين - سبحانه - ما كان سيترتب على الركون إليهم - على سبيل الفرض من عقاب فقال - تعالى - : { إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً } .

والضعف : عبارة عن أن يضم إلى شئ مثله .

أى : لو قاربت - أيها الرسول الكريم - أن تركن إليهم أقل ركون ، أو تميل إليهم أدنى ميل ، لأنزلنا بك عذابًا مضاعفًا فى الدنيا وعذابًا مضاعفًا فى الآخرة ، ثم لا تجد لك بعد ذلك نصيرا ينصرك علينا ، أو ظهيرًا يدفع عنك عذابنا ، أو يحميك منه ، كما قال - تعالى - : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين } والسبب فى تضعيف العذاب ، أن الخطأ يعظم بمقدار عظم صاحبه ، ويصغر بمقدار صغره ، ورحم الله القائل :

وكبائر الرجل الصغير صغائر . . . وصغائر الرجل الكبير كبائر

والرسول صلى الله عليه وسلم هو أعظم الخلق على الإِطلاق ، لذا توعده الله - تعالى - بمضاعفة العذاب ، لو ركن إلى المشركين أدنى ركون .

وقريب من هذا المعنى قوله - تعالى - { يانسآء النبي مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا العذاب ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيراً } قال صاحب الكشاف : وفى ذكر الكيدودة وتقليلها ، مع إتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف فى الدارين ، دليل بين على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله وارتفاع منزلته ، وفيه دليل على أن أدنى مداهنه للغواة ، مضادة لله وخروج عن ولايته وسبب موجب لغضبه ونكاله . فعلى المؤمن إذا تلا هذه الآيات أن يجثو عندها ويتدبرها فهى جديرة بالتدبر وبأن يستشعر الناظر فيها الخشية وازدياد التصلب فى دين الله .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِذٗا لَّأَذَقۡنَٰكَ ضِعۡفَ ٱلۡحَيَوٰةِ وَضِعۡفَ ٱلۡمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيۡنَا نَصِيرٗا} (75)

القول في تأويل قوله تعالى { إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً } .

يقول تعالى ذكره : لو ركنت إلى هؤلاء المشركين يا محمد شيئا قليلاً فيما سألوك إذن لأذقناك ضعف عذاب الحياة ، وضعف عذاب الممات . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : إذا لأَذَقْناكَ ضِعْفَ الحَياةِ وَضِعْفَ المَماتِ يعني : ضعف عذاب الدنيا والاَخرة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ضِعْفَ الحَياةِ قال : عذابها وَضِعْفَ المَماتِ قال : عذاب الاَخرة .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة إذا لأَذَقْناكَ ضِعْفَ الحَياة وَضِعْفَ المَماتِ : أي عذاب الدنيا والاَخرة .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ضِعْفَ الحَياةِ وضِعْفَ المَمَاتِ قال : عذاب الدنيا وعذاب الاَخرة .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ضِعْفَ الحَياةِ وَضِعْفَ المَماتِ يعني عذاب الدنيا وعذاب الاَخرة .

وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول في قوله : إذا لأَذَقْناكَ ضِعْفَ الحَياةِ مختصر ، كقولك : ضعف عذاب الحياة وَضِعْفَ المَماتِ فهما عذابان ، عذاب الممات به ضوعف عذاب الحياة . وقوله ثُمّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيرا يقول : ثم لا تجد لك يا محمد إن نحن أذقناك لركونك إلى هؤلاء المشركين لو ركنت إليهم ، عذاب الحياة وعذاب الممات علينا نصيرا ينصرك علينا ، ويمنعك من عذابك ، وينقذك مما نالك منا من عقوبة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِذٗا لَّأَذَقۡنَٰكَ ضِعۡفَ ٱلۡحَيَوٰةِ وَضِعۡفَ ٱلۡمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيۡنَا نَصِيرٗا} (75)

{ إذاً لأذقناك } أي لو قاربت لأذقناك . { ضعف الحياة وضعف الممات } أي عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ضعف ما نعذب به في الدارين بمثل هذا الفعل غيرك لأن خطأ الخطير أخطر ، وكان أصل الكلام عذابا ضعفا في الحياة وعذابا ضعفا في الممات بمعنى مضاعفا ، ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه ، ثم أضيفت كما يضاف موصوفها . وقيل الضعف من أسماء العذاب . وقيل المراد ب { ضعف الحياة } عذاب الآخرة { وضعف الممات } عذاب القبر . { ثم لا تجد لك علينا نصيرا } يدفع العذاب عنك .