فقوله - سبحانه - : { تُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ } استئناف مفسر وموضح لقوله { هَلْ أَدُلُّكمْ } ؟ فكأن سائلا قال : وما هذه التجارة ؟ دلنا عليها ، فكان الجواب : تؤمنون بالله ورسوله .
أى : تداومون تامة على الإيمان بالله - تعالى - وبرسوله - صلى الله عليه وسلم - وتجاهدون فى سبيل إعلاء كلم الله ونصرة دينه بأموالكم وأنفسكم .
قالوا : وقوله { تُؤْمِنُونَ } خبر فى معنى الأمر ، ويدل عليه قراءة ابن مسعود : آمنوا بالله رسوله ، وجاهدوا فى سبيله .
وفائدة العدول إلى الخبر : الإشعار بأنهم قد امتثلوا لما أرشدوا إليه ، فكأنه - سبحانه - يخبر عن هذا الامتثال الموجود عندهم .
وجاء التعبير بقوله : { هَلْ أَدُلُّكمْ } لإفادة أن ما يذكر بعد ذلك من الأشياء التى تحتاج إلى من يهدى إليها ، لأنها أمور مرد تحديدها إلى الله - تعالى - .
وتنكير لفظ التجارة ، للتهويل والتعظيم ، أى : هل أدلكم على تجارة عظيمة الشأن . . ؟
وأطلقت التجارة هنا على الإيمان والعمل الصالح ، لأنهما يتلاقيان ويتشابهان فى أن كليهما المقصود من ورائه الربح العظيم ، والسعى من أجل الحصول على المنافع .
وقدم - سبحانه - هنا الجهاد بالأموال على الجهاد بالأنفس ، لأن المقام قمام تفسير وتوضيح لمعنى التجارة الرابحة عن طريق الجهاد فى سبيل الله ، ومن المعلوم أن التجارة تقوم على تبادل الأموال ، وهذه الأموال هى عصب الجهاد ، فعن طريقها تشترى الأسلحة والمعدات التى لا غنى للمجاهدين عنها ، وفى الحديث الشريف " من جهز غازيا فقد غزا " .
وقدم - سبحانه - فى قوله : { إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ . . } وقدم الأنفس على الأموال ، لأن الحديث هناك ، كان فى معرض الاستبدال والعرض والطلب ، والأخذ والعطاء . . . فقدم - سبحانه - الأنفس لأنها أعز ما يملكه الإنسان ، وجعل فى مقابلها الجنة لأنها أعز ما يوهب ، وأسمى ما تتطلع إلى نيله النفوس .
واسم الإشارة فى قوله : { ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } يعود إلى ما سبق ذكره من الإيمان والجهاد . أى : ذلكم الذى أرشدناكم إلى التمسك به من الإيمان والجهاد فى سبيل الله ، هو خير لكم من كل شىء إن كنتم من أهل العلم والفهم .
فقوله { تَعْلَمُونَ } منزلة منزلة الفعل اللازم ، للإشعار بأن من يخالف ذلك لا يكون لا من أهل العلم ، ولا من أهل الإدراك .
وجعله بعضهم فعلا متعديا ، ومفعوله محذوف ، والتقدير : إن كنتم تعلمون أنه خير لكم فافعلوه ، ولا تتقاعسوا عن ذلك .
يقول تعالى { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا هَلْ أدُلّكُمْ على تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ ألِيمٍ }موجع ، وذلك عذاب جهنم ثم بين لنا جلّ ثناؤه ما تلك التجارة التي تنجينا من العذاب الأليم ، فقال : { تُؤمِنُونَ باللّهِ وَرَسُولِهِ }محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن قال قائل : وكيف قيل : { تُؤمِنُونَ باللّهِ وَرَسُولِهِ } ، وقد قيل لهم : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا }بوصفهم بالإيمان ؟ فإن الجواب في ذلك نظير جوابنا في قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا } بالله وقد مضى البيان عن ذلك في موضعه بما أغنى عن إعادته .
وقوله : { وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيل اللّهِ بأمْوَالِكُمْ وأنْفُسِكُمْ } يقول تعالى ذكره : وتجاهدون في دين الله ، وطريقه الذي شرعه لكم بأموالكم وأنفسكم ، { ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ }يقول : إيمانكم بالله ورسوله ، وجهادكم في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم خَيْرٌ لَكُمْ من تضييع ذلك والتفريط { إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }مضارّ الأشياء ومنافعها . وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله : «آمِنُوا باللّهِ » على وجه الأمر ، وبيّنت التجارة من قوله : { هَلْ أدُلّكُمْ على تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ }وفسّرت بقوله : { تُؤمِنُونَ باللّهِ }ولم يقل : أن تؤمنوا ، لأن العرب إذا فسرت الاسم بفعل تثبت في تفسيره أن أحيانا ، وتطرحها أحيانا ، فتقول للرجل : هل لك في خير تقوم بنا إلى فلان فنعوده ؟ هل لك في خير أن تقوم إلى فلان فنعوده ؟ ، بأن وبطرحها . ومما جاء في الوجهين على الوجهين جميعا قوله : فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ إلى طَعامِهِ أنّا وإنا فالفتح في أنا لغة من أدخل في يقوم أن من قولهم : هل لك في خير أن تقوم ، والكسر فيها لغة من يُلقي أن من تقوم ومنه قوله : فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أنّا دَمّرْناهُمْ وإنا دمرناهم ، على ما بيّنا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا هَلْ أدُلّكُمْ على تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ . . . }الآية ، فلولا أن الله بينها ، ودلّ عليها المؤمنين ، لتلهف عليها رجال أن يكونوا يعلمونها ، حتى يضنوا بها وقد دلكم الله عليها ، وأعلمكم إياها فقال : { تُؤمِنُونَ باللّهِ وَرَسُولِهِ وتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بأمْوَالِكُمْ وأنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : تلا قتادة : { هَلْ أدُلّكُمْ على تجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أليمٍ تُوءْمِنُونَ باللّهِ وَرَسُولِهِ وتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ } قال : الحمد لله الذي بينها .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
قال المسلمون: والله، لو علمنا ما هذه التجارة لأعطينا فيها الأموال والأولاد والأهلين. فبين الله لهم ما هذه التجارة؟ يعني التوحيد، قال: فأنزل الله تعالى: {تؤمنون بالله} يعني تصدقون بتوحيد الله {ورسوله} محمد صلى الله عليه وسلم أنه نبي ورسول {وتجاهدون في سبيل الله} يعني في طاعة الله {بأموالكم وأنفسكم ذلكم} يعني الإيمان والجهاد {خير لكم} من غيره {إن كنتم تعلمون} آية فإذا فعلتم ذلك...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا هَلْ أدُلّكُمْ على تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ ألِيمٍ} موجع، وذلك عذاب جهنم، ثم بين لنا جلّ ثناؤه ما تلك التجارة التي تنجينا من العذاب الأليم، فقال:"تُؤمِنُونَ باللّهِ وَرَسُولِهِ "محمد صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل: وكيف قيل: "تُؤمنُونَ باللّهِ وَرَسُولِهِ"، وقد قيل لهم: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا} بوصفهم بالإيمان؟ فإن الجواب في ذلك نظير جوابنا في قوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بالله} وقد مضى البيان عن ذلك في موضعه بما أغنى عن إعادته.
وقوله: {وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيل اللّهِ بأمْوَالِكُمْ وأنْفُسِكُمْ} يقول تعالى ذكره: وتجاهدون في دين الله، وطريقه الذي شرعه لكم بأموالكم وأنفسكم. {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} يقول: إيمانكم بالله ورسوله، وجهادكم في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم "خَيْرٌ لَكُمْ" من تضييع ذلك والتفريط "إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" مضارّ الأشياء ومنافعها.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
{تؤمنون بالله ورسوله} أي تعترفون بتوحيد الله وتخلصون العبادة له وتصدقون رسوله فيما يؤديه إليكم عن الله.
{وتجاهدون في سبيل الله} يعني قتال أعدائه الكفار (بأموالكم) فتنفقونها في ذلك (وأنفسكم) فتحاربون بنفوسكم.
ثم قال: {ذلكم خير لكم} أي ما ذكرته لكم ووصفته أنفع لكم وخير عاقبة إن علمتم ذلك واعترفتم بصحته. وإنما قال (ذلكم خير لكم) مع أن تركه قبيح ومعصية لله، لأن المعنى ذلكم خير لكم من رفعه عنكم، لأن ما أدى إلى الثواب خير من رفعه إلى نعيم ليس بثواب من الله تعالى، والتكليف خير من رفعه إلى الابتداء بالنعم لكل من عمل بموجبه، وقيل: إيمانكم بالله خير لكم من تضييعه بالمشتهى من أفعالكم (إن كنتم تعلمون) مضار الأشياء ومنافعها.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
و {تُؤْمِنُونَ} استئناف، كأنهم قالوا: كيف: نعمل؟ فقال: تؤمنون، وهو خبر في معنى الأمر؛ ولهذا أجيب بقوله: {يغفر لكم} جيء به على لفظ الخبر للإيذان بوجوب الامتثال، وكأنه امتثل فهو يخبر عن إيمان وجهاد موجودين. الأمر الوارد على النفوس بعد تشوّف وتطلع منها إليه: أوقع فيها وأقرب من قبولها له مما فوجئت به {ذَلِكُمْ} يعني ما ذكر من الإيمان والجهاد {خَيْرٌ لَّكُمْ} من أموالكم وأنفسكم.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{ذلكم} أشار إلى الجهاد والإيمان، و {خير} هنا يحتمل أن يكون للتفضيل، فالمعنى من كل عمل، ويحتمل أن يكون إخباراً، أن هذا خير في ذاته ونفسه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{تؤمنون} أي آمنوا بشرط تجديد الإيمان على سبيل الاستمرار {بالله} الذي له جميع صفات الكمال {ورسوله} الذي تصديقه آية الإذعان المعنوية والخضوع لكونه ملكاً {وتجاهدون} أي وجاهدوا بياناً لصحة إيمانكم على سبيل التجديد والاستمرار. ويدل على أنهما بمعنى الأمر ما أرشد إليه جزم ما أقيم في موضع الجواب {في سبيل الله} أي بسبب تسهيل طريق الملك الأعظم الموصل إليه الذي لا أمر لغيره بحيث يكون ظرفاً لكم في جميع هذا الفعل فلا شيء يكون منه خارجاً عنه ليكون خالصاً بفتح بلد الحج ليسهل الوصول إليه من كل من أراده وغير ذلك من شرائعه فتكونوا ممن يصدق فعله قوله فالمعنى: يا من فعل الإيمان إن أردتم النجاة فكونوا عريقين في وصف الإيمان حقيقين به ثابتي الإقدام فيه وأديموا الجهاد دلالة على ذلك فإن الجهاد لما فيه من الخطر والمشقة والضرر أعظم دليل على صدق الإيمان...
. {بأموالكم} وقدمها لعزتها في ذلك الزمان ولأنها قوام الأنفس والأبدان، فمن بذل ماله كله لم يبخل بنفسه لأن المال قوامها. ولما قدم القوام أتبعه القائم به فقال: {وأنفسكم} ولما أمر بهذا في صيغة الخبر اهتماماً به وتأييداً لشأنه، أشار إلى عظمته بمدحه قبل ذكر جزائه، فقال: {ذلكم} أي الأمر العظيم من الإيمان وتصديقه بالجهاد {خير لكم} أي خاصة مما تريدون من الذبذبة بمناصحة الكفار {إن كنتم} أي بالجبلات الصالحة {تعلمون} أي إن كان يمكن أن يتجدد لكم علم في وقت من الأوقات فأنتم تعلمون أن ذلك خير لكم، فإذا علمتم، أنه خير أقبلتم عليه فكان لكم به أمر عظيم، وإن كانت قلوبكم قد طمست طمساً لا رجاء لصلاحها فصلوا على أنفسكم صلاة الموت.
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :
وقدّم ذكر الأموال على الأنفس لأنها هي التي يبدأ بها في الإنفاق والتجهز إلى الجهاد.
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
... المراد: تثبتون وتدومون على الإيمان أو تجمعون بين الإيمان والجهاد أي بين تكميل النفس وتكميل الغير...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم يجيء الجواب وقد ترقبته القلوب والأسماع: (تؤمنون بالله ورسوله).. وهم مؤمنون بالله ورسوله. فتشرق قلوبهم عند سماع شطر الجواب هذا المتحقق فيهم! (وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم).. وهو الموضوع الرئيسي الذي تعالجه السورة، يجيء في هذا الأسلوب، ويكرر هذا التكرار، ويساق في هذا السياق...
(ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون).. فعلم الحقيقة يقود من يعلم إلى ذلك الخير الأكيد.. ثم يفصل هذا الخير في آية تالية مستقلة، لأن التفصيل بعد الإجمال يشوق القلب إليه، ويقره في الحس ويمكن له:...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وإذ قد كان الخطاب لقوم مؤمنين فإن فِعْل {تؤمنون بالله} مع {وتجاهدون} مراد به تجمعون بين الإِيمان بالله ورسوله وبين الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم تنويهاً بشأن الجهاد. وفي التعبير بالمضارع إفادة الأمر بالدوام على الإِيمان وتجديده في كل آن، وذلك تعريض بالمنافقين وتحذير من التغافل عن ملازمة الإِيمان وشؤونه. وإنما جيء بالفعلين الأولين على لفظ الخبر للإِيذان بوجوب الامتثال حتى يفرض المأمور كأنه سمع الأمر وامتثله. وجمع قوله: {خير} ما هو خيرُ الدنيا وخيرُ الآخرة. وقوله: {إن كنتم تعلمون} تعريض لهم بالعتاب على تولّيهم يوم أُحُد بعد أن قالوا: لو نعلم أيَّ الأعمال أحب إلى الله لَعَمِلْنَاه، فندبوا إلى الجهاد فكان ما كان منهم يوم أُحُد، كما تقدم في أول السورة، فنزلوا منزلة من يُشَك في عملهم بأنه خير لعدم جريهم على موجَب العلم.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ولذا فإنّ السؤال المثار هو: هل تريدون من يدلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم؟ وهو سؤال مثير لانتباه الجميع، وقد بادر في نفس الوقت وبدون انتظار للإجابة متحدّثاً عن هذه التجارة المتعدّدة المنافع، حيث يضيف تعالى: {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم}. وممّا لا شكّ فيه أنّ الله سبحانه غني عن هذه التجارة النافعة وأنّ جميع منافعها تعود على المؤمنين، لذا يقول في نهاية الآية: {ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}. والجدير بالملاحظة هنا أنّ المخاطب هم المؤمنون بقرينة قوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا} لكنّه في الوقت نفسه يدعوهم إلى الإيمان والجهاد. وربّما كان هذا التعبير إشارة إلى أنّ الإيمان يلزم أن يكون عميقاً وخالصاً لله سبحانه، حتّى يستطيع أن يكون منبعاً لكلّ خير، وحافزاً للإيثار والتضحية والجهاد، وبذا لا يعتدّ بالإيمان الاسمي السطحي، أو أنّ التأكيد على الإيمان بالله ورسوله هنا، هو شرح لمفهوم الإيمان الذي عرض بصورة إجمالية في بداية الآية السابقة. وعلى كلّ حال فإنّ الإيمان بالرّسول لا ينفصل عن الإيمان بالله تعالى، كما أنّ الجهاد بالنفس لا ينفصل عن الجهاد بالمال، ذلك أنّ جميع الحروب تستلزم وجود الوسائل والإمكانات المالية، ومن هنا فإنّنا نلاحظ أنّ البعض قادر على الجهاد بكلا النوعين؛ النفس والمال، وآخرين قادرون على الجهاد بالمال فقط وفي المواقع الخلفية للجبهة، وبعض آخر مستعدّ للجهاد بالنفس والجود بها في سبيل الله لأنّهم لا يملكون سواها، إلاّ أنّ الضرورة تستلزم أن يكون هذان النوعان من الجهاد توأمين متلازمين كلّ منهما مع الآخر لتحقيق النصر، وعند التدقيق في الآية المباركة نلاحظ أنّه تعالى قد قدّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس، لا باعتباره أكثر أهميّة، بل بلحاظ أنّه مقدّمة للجهاد بالنفس، لأنّ مستلزمات الجهاد لا تتهيّأ إلاّ عند توفّر الإمكانات الماديّة. لقد تمّ تسليط الأضواء على ثلاثة عناصر أساسية في هذه التجارة العظيمة والتي لا مثيل لها؛ فالمشتري هنا هو الله سبحانه، والبائع هم المؤمنون، والبضاعة هي الأنفس والأموال. ويأتي دور العنصر الرابع في هذه الصفقة وهو الثمن والعوض لهذه المعاملة العظيمة.