التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَوۡ تَقُولُواْ لَوۡ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡكِتَٰبُ لَكُنَّآ أَهۡدَىٰ مِنۡهُمۡۚ فَقَدۡ جَآءَكُم بَيِّنَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞۚ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنۡهَاۗ سَنَجۡزِي ٱلَّذِينَ يَصۡدِفُونَ عَنۡ ءَايَٰتِنَا سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصۡدِفُونَ} (157)

ثم ساق - سبحانه - آية أخرى لقطع أعذارهم فقال { أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا الكتاب لَكُنَّآ أهدى مِنْهُمْ } .

أى : وأنزلنا الكتاب - أيضاً - خشية أن تقولوا معتذرين يوم القيامة لو أنا أنزلنا علينا الكتاب كما أنزل على الذين من قبلنا ، لكنا أهدى منهم إلى الحق وأسرع منهم استجابة لله ولرسوله لمزيد ذكائنا ، وتوقد أذهاننا ، وتفتح قلوبنا .

وقوله : { فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ } جواب قاطع لأعذارهم وتعلاتهم أى : فقد جاءكم من ربكم عن طريق نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب الواضح المبين ، والذى هو هداية لكم إلى طريق الحق ، ورحمة لمن يعمل بما اشتمل عليه من توجيهات وإرشادات .

وقوله : { فَقَدْ جَآءَكُمْ } متعلق بمحذوف تبنىء عنه الفاء الفصحية إما معلل به أى : لا تعتذروا فقد جاءكم . . . وإما شرط له أى : إن صدقتم فيما كنتم تعدون به . فقد حصل ما فرضتم وجاءكم بينه من ربكم .

والاستفهام فى قوله { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ الله وَصَدَفَ عَنْهَا } للإنكار والنفى . أى : لا أحد أظلم ممن كذب بآيات الله وأعرض عنها بعد أن جاءته ببيانتها الكاملة ، وهداياتها الشاملة .

والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها . فإن مجىء القرآن المشتمل على الهدى والرحمة موجب لغاية أظلمية من يكذبه أى : وإذا كان الأمر كذلك فمن أظلم . . ؟ ومعنى : وصدف عنها أى : أعرض عنها غير متفكر فيها ، أو صرف الناس عنها وصدهم عن سبيلها . فجمع بين الضلال والإضلال .

ثم ختم - سبحانه - الآية بتهديد أولئك المعرضين عن آياته بقوله : { سَنَجْزِي الذين يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سواء العذاب بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ } أى : سنجزيهم أسوأ العذاب وأشده بسبب تكذيبهم لآياتنا وإعراضهم عنها .

فالآيتان الكريمتان تقطعان كل عذر قد يتعلل به يوم القيامة المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللقرآن الكريم ، وتتوعدهم بأشد ألوان العذاب .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَوۡ تَقُولُواْ لَوۡ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡكِتَٰبُ لَكُنَّآ أَهۡدَىٰ مِنۡهُمۡۚ فَقَدۡ جَآءَكُم بَيِّنَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞۚ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنۡهَاۗ سَنَجۡزِي ٱلَّذِينَ يَصۡدِفُونَ عَنۡ ءَايَٰتِنَا سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصۡدِفُونَ} (157)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنّآ أَهْدَىَ مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيّنَةٌ مّن رّبّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمّن كَذّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوَءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وهذا كتاب أنزلناه مبارك ، لئلا يقول المشركون من عبدة الأوثان من قريش : إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ، أو لئلا يقولوا : لَوْ أنّا أنْزِلَ عَلَيْنا الكِتابَ كما أنزل على هاتين الطائفتين من قبلنا ، فأمرنا فيه ونهينا ، وبَيّن لنا فيه خطأ ما نحن فيه من صوابه . لَكُنّا أهْدَى مِنْهُمْ : أي لكنا أشدّ استقامة على طريق الحقّ واتباعا للكتاب ، وأحسن عملاً بما فيه من الطائفتين اللتين أنزل عليهما الكتاب من قبلنا . يقول الله : فَقَدْ جاءَكُمْ بَيّنَةٌ مِنْ رَبّكُمْ يقول : فقد جاءكم كتاب بلسانكم عربيّ مبين ، حجة عليكم واضحة بينة من ربكم . وَهُدًى يقول : وبيان للحقّ ، وفرقان بين الصواب والخطأ . وَرَحْمَةً لمن عمل به واتبعه . كما :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أوْ تَقُولُوا لَوْ أنّا أُنْزِلَ عَلَيْنا الكَتابُ لَكُنّا أهدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيّنَةٌ مِنْ رَبّكُمْ يقول : قد جاءكم بينة لسان عربيّ مبين ، حين لم تعرفوا دراسة الطائفتين ، وحين قلتم : لو جاءنا كتاب لكنا أهدى منهم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : أوْ تَقُولُوا لَوْ أنّا أُنْزِلَ عَلَيْنا الكِتابُ لَكُنّا أهْدَى مِنْهُمْ فهذا قول كفار العرب ، فَقَدْ جاءَكُمْ بَيّنَةٌ مِنْ رَبّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ .

القول في تأويل قوله تعالى : فَمَنْ أظْلَمُ مِمّنْ كَذّبَ بآياتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجزْي الّذِينَ يَصْدِفُونَ .

يقول جلّ ثناؤه : فمن أخطأُ فعلاً وأشدّ عدوانا منكم أيها المشركون ، المكذّبون بحجج الله وأدلته وهي آياته . وَصَدَفَ عَنْها يقول : وأعرض عنها بعد ما أتته ، فلم يؤمن بها ولم يصدّق بحقيقتها . وأخرج جلّ ثناؤه الخبر بقوله : فَمَنْ أظْلَمُ مِمّنْ كَذّبَ بآياتِ اللّهِ مخرج الخبر عن الغائب ، والمعنّى به المخاطبون به من مشركي قريش .

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : وَصَدَفَ عَنْها قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : وَصَدَفَ عَنْها يقول : أعرض عنها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا : يعرضون عنها ، والصدف : الإعراض .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَصَدَفَ عَنْها أعرض عنها ، سَنَجْزِي الّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ العَذَابِ بِمَا كانُوا يَصْدِفُونَ أي يعرضون .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَصَدَفَ عَنْها فصدّ عنها .

وقوله : سَنَجزِي الّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الَعَذَابِ يقول : سيثيب الله الذين يعرضون عن آياته وحججه ولا يتدبرونها ولا يتعرّفون حقيقتها فيؤمنوا بما دلتهم عليه من توحيد الله وحقية نبوّة نبيه وصدق ما جاءهم به من عند ربهم سُوءَ العَذَاب يقول : شديد العقاب ، وذلك عذاب النار التي أعدّها الله لكفرة خلقه به . بِمَا كانُوا يَصْدِفُونَ يقول : يفعل الله ذلك بهم ، جزاء بما كانوا يعرضون عن آياته في الدنيا فلا يقبلون ما جاءهم به نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم .