تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَوۡ تَقُولُواْ لَوۡ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡكِتَٰبُ لَكُنَّآ أَهۡدَىٰ مِنۡهُمۡۚ فَقَدۡ جَآءَكُم بَيِّنَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞۚ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنۡهَاۗ سَنَجۡزِي ٱلَّذِينَ يَصۡدِفُونَ عَنۡ ءَايَٰتِنَا سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصۡدِفُونَ} (157)

الآية 157 [ وقوله تعالى ]{[7964]} : { أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب } هو ما ذكرنا : لئلا تقولوا { لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم } أنزل الله عز وجل هذا القرآن قطعا لحجاجهم ومنعا لعذرهم ، وإن لم يكن لهم الحجاج والعذر . وعلى ذلك يخرج قوله تعالى : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } [ النساء : 165 ] لا يكون لهم حجة على الله ، وإن لم ينزل الرسل والكتب .

ثم يحتمل عذر هؤلاء [ واحتجاجهم وجهين :

أحدهما ]{[7965]} إنما أنزل الكتاب بلسانهم ، لم ينزل بلساننا ، ونحن لا نعرف لسانهم ، وكنا { عن دراستهم لغافلين } . ولو كان لهم العذر والاحتجاج{[7966]} بهذا لكان للعجم الاحتجاج والعذر في ترك اتباع القرآن لما لم ينزل بلسان العجم ، ولم يعرفوا هم لسانهم ؛ أعني لسان العرب . ثم لم يكن للعجم الاحتجاج بذلك لما جعل لهم سبيل الوصول إلى معرفته . فعلى ذلك لا عذر للعرب في ترك اتباع ما في الكتب التي أنزلت بغير لسانهم لما في وسعهم الوصول إلى معرفتها والتعلم منهم والأخذ عنه . وهذا يدل على أن يجوز التكليف بأشياء ليست معهم أسبابها بعد أن جعل لهم سبيل الوصول إلى تلك الأسباب .

والثاني : في احتجاجهم أن يقولوا : إن اليهود والنصارى قد اختلفت ، وتفرقت فرقا ، لا اجتماع بينها{[7967]} أبدا . فكيف نتبعهم في ذلك ؟ فقال : إن مذاهبهم وكتبهم إنما تفرقت بهم وبقولهم ؛ فقد أنزل من الحجج والبيان ما يعرف ذلك الذي تفرق بهم ، فلا حجة لهم في ذلك . وهذا كقوله تعالى : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها } [ الأنعام : 109 ] وقد جاءتهم آيات ، فلم يؤمنوا . فعلى ذلك قوله تعالى : { أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم } .

وفي الآية دلالة على أن المجوس ليسوا من أهل الكتاب لأنهم لو كانوا أهل الكتاب صار أهل الكتاب ثلاث طوائف ؛ وقد أخبر أنه { إنما أنزل الكتاب على طائفتين } وذلك محال . فإن قيل : إنما هذا حكاية عن المشركين ؛ ومعناه ، والله أعلم ، إني أنزلت عليكم الكتاب لئلا تقولوا : { إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } فلم يقولوا ذلك . ولكن الله قطع بإنزاله الكتاب حجتهم التي علم أنهم كانوا يحتجون بها ، لو لم ينزله ، وإن لم يكن لهم في ذلك حجة ولا عذر ، وهو ما ذكرنا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فقد جاءكم بينة من ربكم } قيل : القرآن ، وقيل : محمد صلى الله عليه وسلم { وهدى } هدى من الضلالة وكل شبهة { ورحمة } أي ذلك منه رحمة ونعمة { فمن أظلم ممن كذب بآيات الله } أي لا أحد { أظلم ممن كذب بآيات الله } قيل : { بآيات الله } حجج الله ، وقيل : دين الله . وقد ذكرناها في غير موضع . وقد ذكرنا أن قوله تعالى : { فمن أظلم } حرف استفهام في الظاهر ، ولكن ذلك من الله على الإيجاب ؛ كأنه قال : لا أحد أوحش ظلما { ممن كذب بآيات الله وصدق عنها } .


[7964]:- ساقطة من الأصل وم.
[7965]:- ساقطة من الأصل وم.
[7966]:- الواو ساقطة من الأصل وم.
[7967]:- في الأصل وم: بينهم.