اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَوۡ تَقُولُواْ لَوۡ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡكِتَٰبُ لَكُنَّآ أَهۡدَىٰ مِنۡهُمۡۚ فَقَدۡ جَآءَكُم بَيِّنَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞۚ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنۡهَاۗ سَنَجۡزِي ٱلَّذِينَ يَصۡدِفُونَ عَنۡ ءَايَٰتِنَا سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصۡدِفُونَ} (157)

قوله : { أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا الكتاب لَكُنَّا أهدى مِنْهُمْ } .

أي : لِئلاَّ تقُولُوا أو تَحْتَجُّوا بِذَلك ، ثمَّ إنه -تعالى- قطع احتِجَاجَهُم بهذا ، فقال : { فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } وهو القُرْآن العظيم بَيِّنَة فيما يُعْلم سَمْعاً ، وهُو هُدَى فيما يُعْلَم سَمْعاً وعَقْلاً ، فلما اختلفت الفَائِدَة ، صَحَّ هذا العَطْف ، ومعنى " رَحْمة " أي : نِعْمَة في الدِّين .

قوله : فَقَدْ جَاءَكُم " : جواب شَرْط مقدَّرٍ فقدَّرَه الزَّمَخْشَريُّ : إن صَدَقْتُم فيما كُنْتُم تَعُدُّون من أنْفُسِكم ، فَقَدْ جَاءَكم ، قال : " وهو من أحْسن الحُذُوف " وقدّرَه غَيْره : إن كُنْتُم كما تَزْعُمون : إنَّكم إذا أنزل عَلَيْكُم كِتَابٌ ، تكونون أهْدَى من اليَهُود والنَّصَارى ، فقدْ جَاءَكُم ، ولم يُؤنّث الفِعْل ؛ لأن التَّأنيث مجازيُّ ، وللفَصْل بالمَفْعُول ، و " مِنْ ربِّكم " يجوز أن يتعلَّق ب " جَاءَكُم " وأن يتعلَّق بِمَحْذُوف على أنَّه صِفَةٌ ل " بَيِّنَة " .

وقوله : " هُدىً ورَحْمَة " : محذُوفٌ بعدهما : مِن ربِّكُم .

قوله : فَمَنْ أظْلَمُ " الظَّاهِر أنَّها جُمْلَة مُسْتَقِلة .

وقال بعضهم : هي جواب شَرْط مُقَدَّر ، تقديرُه : فإن كَذَّبْتُم ، فلا أحَد أظْلَم مِنْكُم .

والجُمْهُور{[15622]} على كَذَّب " مُشَدّداً ، وبآيات الله متعلِّق به ، وقرأ يحيى بن{[15623]} وثاب ، وابن أبي عَبْلَة : " كَذَبَ " بالتخفيف ، و " بآيات اللَّه " : يجوز أن يكُون مَفْعُولاً وأن يكون حالاً ، أي : كذَّب ومعهُ آيات اللَّه ، و " صدف " مَفْعُوله مَحْذُوف ، أي : " وصدف عنها غيره " وقد تقدَّم تَفْسير ذلك [ الأنعام : 157 ] . والمُراد : تَعْظِيم كُفْر من كذّب بآيَاتِ الله " وصدَف عَنْها " أي مَنَع ؛ لأنَّ الأوَّل ضلال ، والثاني مَنْع عن الحقِّ وإضْلال .

ثم قال -تعالى- : { سَنَجْزِي الذين يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سواء العذاب } وهو كقوله تعالى : { الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العذاب } [ النحل : 88 ] .


[15622]:ينظر: المحتسب 1/235 الذر المصون 3/223.
[15623]:ينظر: البحر المحيط 4/258، والدر المصون 3/223 والمحرر الوجيز 2/366.