التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{مُّذَبۡذَبِينَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ لَآ إِلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ وَلَآ إِلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِيلٗا} (143)

وقوله : { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك } حال من فاعل يراءون واسم الإِشارة " ذلك " مشار به إلى الإِيمان والكفر المدلول عليه بذكر المؤمنين والكافرين .

قال القرطبى : المذبذب : المتردد بين أمرين . والذبذبة : الاضطراب . يقال : ذبذبته فتذبذب . ومنه قول النابغة - فى مدح النعمان بل المنذر -

ألم تر أن الله أعطاك سورة . . . ترى كل ملك دونها يتذبذب

أى : يضطرب وقال ابن جنى : المذبذب : المهتز القلق الذى لا يثبت ولا يتمهل . فهؤلاء المنافقون مترددون بين المؤمنين والمشركين . لا مخلصين للإِيمان ولا مصرحين بالكفر . وفى صحيح مسلم من حيث ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم : " مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين - أى المترددة بين قطعتين - تعير إلى هذه مرة وإلى هذه أخرى " .

وقوله { إلى هؤلاء وَلاَ إِلَى هؤلاء } فى محل نصب على أنه حال من ضمير { مُّذَبْذَبِينَ } أو على أنه بيان وتفسير له .

وقوله : { وَمَن يُضْلِلِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } أى : ومن يضلله الله - تعالى - عن طريق الحق ، بسبب إيثاره الغواية على الهداية . فلن تجد له سبيلا يوصله إلى الصراط المسقيم .

وبعد هذا الذم الشديد لما كان عليه المنافقون من خداع ورياء وضلال . وجه - سبحانه - نداء إلى المؤمنين نهاهم فيه عن موالاة الكافرين فقال - تعالى - : { يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الكافرين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ المؤمنين } .