التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{لَّوۡلَآ أَن تَدَٰرَكَهُۥ نِعۡمَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ لَنُبِذَ بِٱلۡعَرَآءِ وَهُوَ مَذۡمُومٞ} (49)

وقوله - سبحانه - : { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بالعرآء وَهُوَ مَذْمُومٌ . .

استئناف لبيان جانب من فضله - تعالى - على عبده يونس - عليه السلام - .

و { لَّوْلاَ } هنا حرف امتناع لوجود ، و { أَن } يجوز أن تكون مخففة من { أَن } الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن ، وهو محذوف ، وجملة { تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ } خبرها .

ويجوز أن تكون مصدرية ، أى : لولا تدارك رحمة من ربه .

والتدارك : تفاعل من الدرك - بفتح الدال - بمعنى اللحاق بالغير . والمقصود به هنا : المبالغة فى إدراك رحمة الله - تعالى - لعبده يونس - عليه السلام - .

قال الجمل : قرأة العامة : { تَدَارَكَهُ } وهو فعل ماضى مذكر ، حمل على معنى النعمة ، لأن تأنيثها غير حقيقى ، وقرأ ابن عباس وابن مسعود : تدراكه - على لفظ النعمة - وهو خلاف المرسوم .

والمراد بالنعمة : رحمته - سبحانه - بيونس - عليه السلام - وقبول توبته ، وإجابة دعائه . .

والنبذ : الطرح والترك للشئ ، والعراء : الأرض الفضالة الخالية من النبات وغيره .

والمعنى : لولا أن الله - تدارك عبده يونس برحمته ، وبقبول توبته . . لطرح من بطن الحوت بالأرض الفضاء الخالية من النبات والعمران . . وهو مذموم ، أى : وهو ملوم ومؤاخذ منا على ما حدث منه . .

ولكن ملامته ومؤاخذته منا قد امتنعت ، لتداركه برحمتنا ، حيث قبلنا توبته ، وغسلنا حوبته ، ومنحناه الكثير من خيرنا وبرنا . .

فالمقصود من الآية الكريمة بيان جانب من فضل الله - تعالى - على عبده يونس - عليه السلام - ، وبيان أن رحمته - تعالى - به ، ونعمته عليه ، قد حالت بينه ويبن أن يكن مذموما على ما صدر منه ، من مغاضبة لقومه ومفارقته لهم بدون إذن من ربه . .

قال الجمل ما ملخصه : قوله : { وَهُوَ مَذْمُومٌ } أى : ملوم ومؤاخذ بذنبه والجملة حال من مرفوع " نُبِذ " وهى محط الامتناع المفاد بلولا ، فهى المنفية لا النبذ بالعراء . .

أى : لنبذ بالعراء وهو مذموم ، لكنه رُحِم فنبذ غير مذموم . .

فلولا - هنا - ، حرف امتناع لوجود ، وأن الممتنع القيد فى جوابها لا هو نفسه .