السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَّوۡلَآ أَن تَدَٰرَكَهُۥ نِعۡمَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ لَنُبِذَ بِٱلۡعَرَآءِ وَهُوَ مَذۡمُومٞ} (49)

ولما تشوف السامع إلى ما كان من أمره بعد هذا الأمر العجيب قال تعالى : { لولا أن تداركه } أي : أدركه إدراكاً عظيماً { نعمة } أي : عظيمة جداً .

تنبيه : حسن تذكير الفعل لفصل الضمير في تداركه .

{ من ربه } أي : الذي أحسن إليه بإرساله وتهذيبه للرسالة والتوبة عليه والرحمة . وقال الضحاك : النعمة هنا النبوة ، وقال ابن جبير : عبادته التي سلفت ، وقال ابن زيد : نداؤه بقوله :

{ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } ، وقال ابن بحر : إخراجه من بطن الحوت . وقوله تعالى : { لنبذ } أي : لولا هذه الحالة السنية التي أنعم الله تعالى عليه بها لطرح طرحاً هيناً جداً { بالعراء } أي : الأرض القفراء الواسعة التي لا بناء فيها ولا جبال ولا نبات ، البعيدة عن الأنس جواب لولا . وقيل : جوابها مقدر ، أي : لولا هذه النعمة لبقي في بطن الحوت { وهو } أي : والحال أنه { مذموم } أي : ملوم على الذنب . وقيل : مبعد من كل خير . وقال الرازي : وهو مذموم على كونه فاعلاً للذنب ، قال : والجواب من ثلاثة أوجه : الأول : إن كلمة لولا دالة على أن هذه المذمومية لم تحصل . الثاني : لعل المراد من المذمومية ترك الأفضل ، فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين .