مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لَّوۡلَآ أَن تَدَٰرَكَهُۥ نِعۡمَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ لَنُبِذَ بِٱلۡعَرَآءِ وَهُوَ مَذۡمُومٞ} (49)

ثم قال تعالى : { لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم } وقرئ رحمة من ربه ، وهاهنا سؤالات :

السؤال الأول : لم لم يقل : لولا أن تداركته نعمة من ربه ؟ ( الجواب ) إنما حسن تذكير الفعل لفصل الضمير في تداركه ، وقرأ ابن عباس وابن مسعود تداركته ، وقرأ الحسن : تداركه ، أي تتداركه على حكاية الحال الماضية ، بمعنى لولا أن كان ، يقال : فيه تتداركه ، كما يقال : كان زيد سيقوم فمنعه فلان ، أي كان يقال فيه : سيقوم ، والمعنى كان متوقعا منه القيام .

السؤال الثاني : ما المراد من قوله : { نعمة من ربه } ؟ ( الجواب ) المراد من تلك النعمة ، هو أنه تعالى أنعم عليه بالتوفيق للتوبة ، وهذا يدل على أنه لا يتم شيء من الصالحات والطاعات إلا بتوفيقه وهدايته .

السؤال الثالث : أين جواب لولا ؟ ( الجواب ) من وجهين ( الأول ) تقدير الآية : لولا هذه النعمة لنبذ بالعراء مع وصف المذمومية ، فلما حصلت هذه النعمة لا جرم لم يوجد النبذ بالعراء مع هذا الوصف ، لأنه لما فقد هذا الوصف : فقد فقد ذلك المجموع ( الثاني ) لولا هذه النعمة لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة ، ثم نبذ بعراء القيامة مذموما ، ويدل على هذا قوله : { فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون } وهذا كما يقال : عرصة القيامة ؛ وعراء القيامة .

السؤال الرابع : هل يدل قوله : { وهو مذموم } على كونه فاعلا للذنب ؟ ( الجواب ) من ثلاثة أوجه ( الأول ) أن كلمة { لولا } دلت على أن هذه المذمومية لم تحصل ( الثاني ) لعل المراد من المذمومية ترك الأفضل ، فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين ( الثالث ) لعل هذه الواقعة كانت قبل النبوة لقوله : { فاجتباه ربه } والفاء للتعقيب .

السؤال الخامس : ما سبب نزول هذه الآيات ؟ ( الجواب ) يروى أنها نزلت بأحد حين حل برسول الله ما حل ، فأراد أن يدعو على الذين انهزموا ، وقيل : حين أراد أن يدعو على ثقيف .