اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَّوۡلَآ أَن تَدَٰرَكَهُۥ نِعۡمَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ لَنُبِذَ بِٱلۡعَرَآءِ وَهُوَ مَذۡمُومٞ} (49)

قوله : { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ } .

قال ابن الخطيب{[57692]} : لِمَ لَمْ يَقُلْ : تداركته نعمة ؟ وأجاب : بأنه إنما حسن تذكير الفعل لفصل الضمير في «تَدَاركَهُ » . ولأن التأنيث غير حقيقي .

وقرأ أبيّ{[57693]} وعبد الله بن عباس : «تَدارَكتْهُ » بتاء التأنيث لأجل اللفظِ .

والحسن وابن{[57694]} هرمز والأعمش : «تَدّارَكهُ » - بتشديد الدال - .

وخرجت على الأصل : تتداركه - بتاءين - مضارعاً ، فأدغم ، وهو شاذ ؛ لأن الساكن الأول غير حرف لين ؛ وهي كقراءة البزي { إذْ تَلَّقَّوْنَهُ }[ النور : 15 ] ، و { ناراً تَلَّظَّى }[ الليل : 14 ] ، وهذا على حكاية الحال ، لأن المقصد ماضيه ، فإيقاع المضارع هنا للحكاية ، كأنه قال : لولا أن كان يقال فيه : تتداركه نعمة .

قوله : { نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ } .

قال الضحاكُ : النعمة هنا : النبوة{[57695]} .

وقال ابن جبيرٍ : عبادته التي سلفت{[57696]} .

وقال ابن زيدٍ : نداؤه بقوله { لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين }{[57697]} [ الأنبياء : 87 ] .

وقال ابن بحرٍ : إخراجه من بطن الحوتِ .

وقيل : رحمة من ربِّه ، فرحمه وتاب عليه .

قوله : { لَنُبِذَ بالعراء } ، هذا جواب «لَوْلاَ » ، أي : لنبذ مذموماً لكنه نبذ سقيماً غير مذموم .

وقيل : جواب «لَولاَ » مقدر ، أي : لولا هذه النعمة لبقي في بطن الحوتِ .

ومعنى : «مَذْمُوم » ، قال ابن عباس : مُليمٌ .

وقال بكر بن عبد الله : مُذنِبٌ .

وقيل : مبعدٌ من كل خير . والعراء : الأرض الواسعة الفضاء التي ليس فيها جبل ، ولا شجر يستر .

وقيل : لولا فضلُ الله عليه لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة ، ثم نبذ بعراء القيامة مذموماً ، يدل عليه قوله تعالى { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }[ الصافات : 143 ، 144 ] .

فصل في عصمة الأنبياء

قال ابن{[57698]} الخطيب : هل يدل قوله «وهُوَ مَذمُومٌ » على كونه فاعلاً للذنب ؟ قال : والجوابُ من ثلاثة أوجه :

الأول : أن كلمة «لولا » دلت على أن هذه المذمومية لم تحصل .

الثاني : لعل المراد من المذموميةِ ترك الأفضلِ ، فإن حسنات الأبرارِ سيئات المقربين .

الثالث : لعل هذه الواقعة كانت قبل النبوة ، لقوله «فاجْتبَاهُ رَبُّهُ » والفاء للتعقيب .

قيل : إن هذه الآية نزلت بأحدٍ حين حل برسول الله صلى الله عليه وسلم ما حل فأراد أن يدعو على الذين انهزموا .

وقيل : حين أراد أن يدعو على ثقيف .


[57692]:ينظر: الفخر الرازي 30/87.
[57693]:ينظر: الكشاف 4/596، والمحرر الوجيز 5/354، والدر المصون 6/311.
[57694]:ينظر السابق.
[57695]:ذكره الماوردي (6/73) والقرطبي (18/165) عن الضحاك.
[57696]:ينظر المصدر السابق.
[57697]:ينظر المصدر السابق.
[57698]:ينظر: الفخر الرازي 30/87.