الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَقِفُوهُمۡۖ إِنَّهُم مَّسۡـُٔولُونَ} (24)

ثم يأمر اللَّهُ تعالى بوقوفهم على جِهَةِ التَّوْبِيخِ لهم والسؤال ، قال جمهور المفسرين : يُسْأَلُونَ عن أعمالهم ويُوقَفُونَ على قُبْحِها ، وقد تقدَّم قولهُ صلى الله عليه وسلم : " لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْد " الحديثَ .

قال ( ع ) : ويَحْتَمِلُ عندي أنْ يكونَ المعنى على نحوِ ما فسَّره تعالى بقولهِ : { مَالَكُمْ لاَ تناصرون } أي : إنهم مسؤولونَ عن امْتِنَاعِهم عن التَّنَاصُرِ ؛ وهذا على جهة التَّوْبِيخِ ، وقرأ خالد ( لا تَتَنَاصَرُونَ ) .

( ت ) : قال عِيَاضٌ في «المدارك » : كان أبو إسْحَاقَ الجبنياني ظَاهِرَ الحُزْنِ ، كثيرَ الدَّمْعَةِ يَسْرُدُ الصِّيَامَ ، قال ولده أبو الطاهِر : قال لي أبي : " إن إنساناً بقي في آية سنةً لَمْ يَتَجَاوَزْهَا ، وهِي قوله تعالى : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } فقلتُ له : أَنْتَ هُوَ فَسَكَتَ ، فعلمتُ أَنَّه هو " ، وكانَ إذا دَخَلَ في الصَّلاَةِ : لَوْ سَقَطَ البيتُ الذي هو فيه ، ما التَفَتَ ، إقبالاً على صَلاَتِهِ ، واشتغالا بمناجَاة ربِّهِ ، وكانَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ تَضْيِيقاً على نَفْسِهِ ؛ ثم عَلى أَهْلِه ، وكان يأكلُ البَقْلَ البَرِّيَّ والجَرَادَ إذا وَجَدَهُ ويَطْحَنُ قُوتَهُ بِيَدِهِ شَعِيراً ، ثُم يَجْعَلُهُ بِنُخَالَتِهِ دَقِيقاً في قِدْرٍ مع مَا وَجَدَ مِنْ بَقْلٍ بَرِّيٍّ وَغيرِه ، حتى إِنّه رُبَّما رَمَى بِشَيْءٍ مِنْهُ لِكَلْبٍ أَو هِرٍّ ؛ فَلا يَأْكُلُهُ ، وكانَ لِبَاسُهُ يَجْمَعُهُ مِنْ خِرَقِ المَزَابِلِ وَيُرَفِّعُهُ ، وَكَانَ يَتَوَطَّأُ الرَّمْلَ ، وَفي الشِّتَاءِ يَأْخُذُ قِفَافَ المَعَاصِرِ المُلْقَاةِ على المَزَابِلِ يجعلُها تَحْتَهُ ، قال وَلَدُهُ أبو الطَّاهِرِ : وكنَّا إذا بَقِينَا بلا شَيْءٍ نَقْتَاتُهُ ، كُنْتُ أَسْمَعُهُ في اللَّيْل يَقُولُ :

مَالِي تِلاَدٌ ولاَ استطرفت مِنْ نَشَب *** وَمَا أُؤمِّلُ غَيْرَ اللَّهِ مِنْ أَحَدٍ

إنَّ الْقُنُوعَ بِحَمْدِ اللَّهِ يَمْنَعُنِي *** مِنَ التَّعَرُّضِ للمَنَّانَةِ النَّكِدِ

انتهى .