الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا وَٱلَّتِي لَمۡ تَمُتۡ فِي مَنَامِهَاۖ فَيُمۡسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيۡهَا ٱلۡمَوۡتَ وَيُرۡسِلُ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّىۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ} (42)

وقوله تعالى : { فَمَنِ اهتدى فَلِنَفْسِهِ } ، أيْ : فلنفسه عَمِلَ وسعى ، ومَنْ ضَلَّ فَعَلَيْهَا جنى ، ثم نبَّه تعالى على آية مِنْ آياته الكبرى ، تدِلُّ الناظِرَ على الوحدانيَّةِ ، وأنَّ ذلك لا شِرْكَةَ فيه لِصَنَمٍ ، وهي حالةُ التَّوَفِّي ، وذلكَ أَنَّ ما تَوَفَّاهُ اللَّهُ تعالى على الكَمَالِ . فهو الذي يَمُوتُ ، وما تَوَفَّاهُ تَوفِّياً غَيرَ مُكَمَّلٍ فهو الذي يكونُ في النَّوْم ، قال ابن زيدٍ : النومُ وفاةٌ والموتُ وفاة وكثَّرَ الناسُ في هذه الآية ، وفي الفَرْقِ بَيْنَ النَّفْسِ والرُّوحِ ، وَفَرَقَ قَوْمٌ بَيْنَ نَفْسِ التمييزِ ونفس التخيُّل ؛ إلى غير ذلك مِن الأقوال التي هي غَلَبةُ ظَنٍّ ، وحقيقةُ الأمْرِ في هذا هي مما استأثر اللَّه به وَغَيَّبَهُ عن عِبَادِهِ في قوله : { الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي } [ الإسراء : 85 ] ويكفيكَ أن في هذه الآية { يَتَوَفَّى الأنفس } ، وفي الحديثِ الصحيحِ : " إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أرْوَاحَنَا حِينَ شَاءَ ، وَرَدَّهَا عَلَيْنَا حِينَ شَاءَ " ، وفي حديث بلالٍ في الوَادي ؛ فقد نطقتِ الشريعةُ بقَبْضِ الرُّوحِ والنَّفْس ، وقد قال تعالى : { قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي } والظاهرُ أنَّ الخَوْضَ في هذا كُلِّهِ عَنَاءٌ ، وإنْ كَان قَد تعرَّضَ للقَوْلِ في هذا ونحوه أئمةٌ ، ذَكَرَ الثعلبيُّ عن ابن عباس ؛ أنه قال : «في ابن آدم نَفْسٌ ورُوحٌ بَيْنَهُمَا مِثْلُ شُعَاعِ الشَّمْسِ ، فالنَّفْسُ هِيَ الَّتي بها العَقْلُ والتمييزُ ، والرُّوحُ هي التي بها النَّفَسُ والتَّحَرُّكُ ، فإذا نام العَبْدُ قَبَضَ اللَّهُ تعالى نَفْسَهُ ولم يَقْبِضْ رُوحَه » ، وجاءَ في آداب النَّوم وأذكار النائِم أحاديثُ صحيحةٌ ؛ ينبغي للعبدِ ألاَّ يُخْلِيَ نفسَه مِنها ، وقد روى جابرُ بن عبد اللَّه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال : " إذا أَوَى الرَّجُلُ إلى فِرَاشِهِ ، ابتدره مَلَكٌ وَشَيْطَانٌ ، فيقُولُ المَلَكُ : اختم بِخَيْرٍ ، ويقُولُ الشَّيْطَانُ : اختم بِشَرٍّ ، فَإنْ ذَكَرَ اللَّهَ تعالى ، ثُمَّ نَامَ ؛ بَاتَ المَلَكُ يَكْلَؤُهُ ، فَإنِ استيقظ ؛ قال الملكُ : افتح بِخَيْرٍ ، وَقَالَ الشَّيْطَانُ : افتح بِشَرٍّ ، فإنْ قَالَ : الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي رَدَّ إلَيَّ نَفْسِي ، وَلَمْ يُمِتْهَا في مَنَامِهَا ، الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي يُمْسِكُ السماوات وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ ، وَلَئِنْ زَالَتَا إنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إلاَّ بِإذْنِهِ ، إنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ، فإن وَقَعَ مِنْ سَرِيرهِ ، فَمَاتَ ، دَخَلَ الجَنةَ " ، رواه النسائي ، واللفظ له ، والحاكمُ في «المستدرك » وابن حِبَّانَ في «صحيحه » ، وقال الحاكم : صحيحٌ على شرط مُسْلِمٍ ، وزاد آخره : { الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي الموتى وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } انتهى من «السِّلاح » . وفيه عن أبي هريرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مَنْ قَالَ حِينَ يَأوِي إلى فِرَاشِهِ : " لا إله إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ؛ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إله إلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ أَوْ خَطَايَاهُ شَكَّ مِسْعَرٌ وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ " . رواه ابن حِبَّان في «صحيحه » ، ورواه النسائي موقوفاً ، انتهى .

وروى الترمذيُّ عن أبي أُمَامَةَ قال : سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ : " مَنْ أوى إلى فِرَاشِهِ طَاهِراً يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى يُدْرِكَهُ النُّعَاسُ ، لَمْ يَنْقَلِبْ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ يسألُ اللَّهَ شَيْئاً مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إلاَّ أَعْطَاهُ إيَّاهُ " ، انتهى . والأجَلُ المسمى في هذه الآيةِ : هُوَ عُمْرُ كُلِّ إنْسَانٍ .