فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{قَالَ يَٰهَٰرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذۡ رَأَيۡتَهُمۡ ضَلُّوٓاْ} (92)

{ قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا . ألا تتبعن أفعصيت أمري } ؟ !

قال موسى لهارون - عليهما السلام - : ألم آمرك أن تخلفني في القوم مصلحا ؟ فهل من صلاحهم أن تعايش الضالين بعد ضلالهم ؟ وما الذي حملك على عدم اتباعي في تأديبهم أو فراقهم ؟ قال ابن عباس : يريد أن مقامك بينهم وقد عبدوا غير الله تعالى عصيان منك لي . اه ؛ فلما أقام معهم ، ولم يبالغ في منعهم ، والإنكار عليهم ، نسبه إلى عصيانه ومخالفة أمره ؛ وقال مقاتل : أراد الاتباع في وصيته كأنه قال : هلا قاتلت من كفر بمن آمن ! وما لك لا تباشر الأمر كما كنت أباشره ! . { قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بني إسرائيل ولم ترقب قولي } ؛ وبينت آية كريمة أخرى أن هارون عليه السلام إنما قال ما قال لشقيقه عليهما السلام إذ أمسك بشعره يجذبه : { . . قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه . . ){[2061]} ؛ [ { يا ابن أم } ترقق له بذكر الأم مع أنه شقيقه لأبويه ، لأن ذكر الأم ها هنا أرق وأبلغ في الحنو والعطف ]{[2062]} ؛ { لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي } لا تجذب شعر لحيتي ورأسي ، فإني لم أرد خلافك ؛ { إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي } ، لكأن المعنى : إني ما قصرت في إنكار المنكر ، ولكن خفت إن اعتزلت الفرقة المفتونة أن تلومني على تلك التفرقة ، وحذرت أن أقاتلهم فتكون فرقة لا اجتماع بعدها ؛ مما أورد الألوسي : وحاصل اعتذاره عليه السلام : إني رأيت الإصلاح في حفظ الدهماء والمداراة معهم ، وزجرهم على وجه لا يختل به أمر انتظامهم واجتماعهم ، ولا يكون سببا للومك إياي ، إلى أن ترجع إليهم فتكون أنت المتدارك للأمر حسبما تراه لاسيما والقوم قد استضعفوني وقربوا أن يقتلوني . ا ه .


[2061]:سورة الأعراف. من الآية 150.
[2062]:ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم.