إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالَ يَٰهَٰرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذۡ رَأَيۡتَهُمۡ ضَلُّوٓاْ} (92)

وقوله تعالى : { قَالَ } استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من حكاية جوابهم لهارون عليه السلام ، كأنه قيل : فماذا قال موسى لهارون عليهما السلام حين سمع جوابهم له ؟ وهل رضيَ بسكوته بعد ما شاهد منهم ما شاهد ؟ فقيل : قال له وهو مغتاظٌ قد أخذ بلحيته ورأسه : { قَالَ يا هارون مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّواْ } بعبادة العجل وبلغوا من المكابرة إلى أن شافهوك بتلك المقالةِ الشنعاء { أَن لا تَتَّبِعَنِ } أي أن تتّبعَني ، على أن لا مزيدةٌ وهو مفعولٌ ثانٍ لمنع وهو عامل في إذ ، أيْ أيُّ شيءٍ منعك حين رؤيتِك لضلالهم من أن لا تتبعني في الغضب لله تعالى والمقاتلة مع من كفر به ، وقيل : المعنى ما حملك على أن تتبعني ، فإن المنع عن الشيء مستلزمٌ للحمل على مقابله ، وقيل : ما منعك أن تلحقَني وتُخبرَني بضلالهم فتكونَ مفارقتُك مزْجرةً لهم ، وفيه أن نصائحَ هارونَ عليه السلام حيث لم تزجُرْهم عما كانوا عليه فلأن لا تزجُرَهم مفارقتُه إياهم عنه أولى ، والاعتذارُ بأنهم إذا علموا أنه يلحقه ويخبره بالقصة يخافون رجوعَ موسى عليه السلام فينزجروا عن ذلك بمعزل من حيز القبول ، كيف لا وهم قد صرحوا بأنهم عاكفون عليه إلى رجوعه عليه السلام .