فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٖ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّآ إِذَا تَمَنَّىٰٓ أَلۡقَى ٱلشَّيۡطَٰنُ فِيٓ أُمۡنِيَّتِهِۦ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلۡقِي ٱلشَّيۡطَٰنُ ثُمَّ يُحۡكِمُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (52)

{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { 52 ) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ { 53 ) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ { 54 ) وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ { 55 ) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ { 56 ) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ { 57 ) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ { 58 ) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ { 59 ) ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ { 60 ) }

{ رسول } إنسان رجل أوحى الله تعالى إليه بشرع يعمل به ويبلغه للناس .

{ نبي } إنسان رجل أوحى الله تعالى إليه بشرع يعمل به .

{ تمنى } قال ، أو : حدث ؛ أو : قرأ وتلا .

{ فينسخ } فيزيل ويمحي ويبطل .

يذكر الله تعالى بسنته في من قد أرسل قبل خاتم النبيين ، وسنته سبحانه لا تتبدل ولا تتحول ، بل تمضي على سننها إلى يوم الدين ، فما أرسل المولى سبحانه من رسول ولا نبي إلا وحاله أنه إذا قرأ شيئا من الآيات ألقى الشيطان الشبه والتخيلات{[2256]} فيما يقرؤه على أوليائه ليجادلوه بالباطل ، ويردوا ما جاء به ، كما قال تعالى : { . . وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم . . ){[2257]} ؛ وقال سبحانه : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا . . ){[2258]} : وهذا كقولهم عند سماع قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم : { . . حرم عليكم الميتة . . ){[2259]} . إنه يحل ذبيحة نفسه ويحرم ذبح الله تعالى ، وقولهم على ما في بعض الروايات عند سماع قراءته عليه الصلاة والسلام : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم . . } إن عيسى عبد من دون الله تعالى ، والملائكة - عليهم السلام عبدوا من دون الله تعالى { فينسخ الله ما يلقي الشيطان } أي فيبطل ما يلقيه من تلك الشبه ويذهب به بتوفيق النبي صلى الله عليه وسلم لرده ، أو بإنزال ما يرده ؛ { ثم يحكم الله آياته } يأتي بها محكمة مثبتة لا تقبل الرد بوجه من الوجوه ، و{ ثم } للتراخي الرتبي فإن الإحكام أعلا رتبة من النسخ ؛ وصيغة المضارع في الفعلين للدلالة على الاستمرار التجددي . . ؛ { والله عليم } مبالغ في العلم بكل ما من شأنه أن يعلم ، ومن جملته ما يصدر من الشيطان وأوليائه { حكيم } في كل ما يفعل ، ومن جملته تمكين الشيطان من إلقاء الشبه ، وأوليائه من المجادلة بها ، وإبداؤه تعالى ردها {[2260]} .


[2256]:لكن بعضا من المفسرين منهم صاحب جامع البيان أورد قريبا من ألفي كلمة نقل فيها روايات عن أبي معشر، وأبي العالية، وابن جبير، والضحاك وغيرهم تتضمن قصة الغرانيق التي نسب فيها النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ يوما سورة النجم في المسجد حتى بلغ قول الله سبحانه: {أفرأيتم اللات والعزى. ومناة الثالثة الأخرى}،، فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المشركون: إنه لم يذكر آلهتكم قبل اليوم بخير، فسجد المشركون معه، فأنزل الله: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} إلى قوله: {عذاب يوم عقيم}؛ يراجع من شاء تفسير الطبري جـ17، ص131، 132، 1333؛ وصدر ص 134؛ ولعل لي أن أتساءل: متى كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجهر بقراءة الكتاب المجيد في حشد من الناس بالمسجد الحرام قبل الهجرة؟! على أن البيهقي قال هذه القصة سئل عنها الإمام محمد بن إسحاق جامع السيرة النبوية فقال: هذا من وضع الزنادقة؛ وقال القاضي عياض في الشفاء: يكفيك في توهين هذا الحديث أنه لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواة ثقة بسند صحيح سليم متصل؛ ومما نقل صاحب الجامع لأحكام القرآن من كتاب الشفاء:... الأمة أجمعت فيما طريقه البلاغ أنه معصوم فيه الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه، لا قصدا ولا عمدا، سهوا أو غلطا.. قال سليمان بن حرب: إن {في} بمعنى عند؛ أي ألقى الشيطان في قلوب الكفار عند تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله عز وجل: {ولبثت فينا} أي عندنا؛ وهذا هو معنى ما حكاه ابن عطية عن أبيه عن علماء المشرق وإليه أشار القاضي أبو بكر بن العربي، وقال قبله: إن هذه الآية نص في غرضنا، دليل على صحة مذهبنا، أصل في براءة النبي صلى الله عليه وسلم مما ينسب إليه أنه قال؛ وذلك أن الله تعالى قال: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته..} أي في تلاوته، فأخبر الله تعالى أن من سنته في رسله وسيرته في أنبيائه إذا قالوا عن الله تعالى قولا زاد الشيطان فيه من نفسه كما يفعل سائر المعاصي..اهـ. ومما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان ـ للرد على رواية أبي معشر وأبي العالية والضحاك وغيرهم ـ: واعترض المحققون على هذه الرواية بالقرآن والسنة وبالمعقول؛ أما القرآن فكقوله: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين}؛ وقوله: {وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا هو وحي يوحى}، وقوله: {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن..}؛ نفي القرب من الر كون فكيف به؛ وأما السنة فهي ما روي عن ابن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل... وأما المعقول فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لنفي الأوثان فكيف يثبتها؛ وأيضا إنه بمكة لم يتمكن من القراءة والصلاة عند الكعبة، ولاسيما في محفل خاص، وأيضا إن معاداتهم إياه كانت أكثر من أن يغتروا بهذا القدر فيخروا سجدا قبل أن يقفوا على حقيقة الأمر؛ وأيضا منع الشيطان من أصله أولى من تمكنه من الإلقاء ثم نسخه؛ وأيضا لو جوزنا ذلك لارتفع الأمان من الشرع، ولناقض قوله: {.. بلغ ما أنزل إليك..} وحال الزيادة في الوحي كحال النقصان منه. اهـ.
[2257]:سورة الأنعام. من الآية 121.
[2258]:سورة الأنعام. من الآية 112.
[2259]:سورة البقرة. من الآية 173.
[2260]:ما بين العارضتين من روح المعاني.