قوله تعالى : " ومن نعمره ننكسه في الخلق " قرأ عاصم وحمزة " ننكسه " بضم النون الأولى وتشديد الكاف من التنكيس . الباقون " نَنْكُسه " بفتح النون الأولى وضم الكاف من نكست الشيء أنكسه نكسا قلبته على رأسه فانتكس . قال قتادة : المعنى أنه يصير إلى حال الهرم الذي يشبه حال الصبا . وقال سفيان في قوله تعالى : " ومن نعمره ننكسه في الخلق " إذا بلغ ثمانين سنة تغير جسمه وضعفت قوته . قال الشاعر :
من عاش أخلقتِ الأيام جِدَّتَهُ *** وخانَه ثِقَتَاهُ السمع والبصرُ
فطول العمر يصير الشباب هرما ، والقوة ضعفا ، والزيادة نقصا ، وهذا هو الغالب . وقد تعوذ صلى الله عليه وسلم من أن يرد إلى أرذل العمر . وقد مضى في " النحل " {[13232]} بيانه . " أفلا يعقلون " أن من فعل هذا بكم قادر على بعثكم . وقرأ نافع وابن ذكوان : " تعقلون " بالتاء . الباقون بالياء " .
ولما كانت هذه أموراً فرضية يتأتى لبعض المعاندين اللد الطعن فيها مكابرة ، وكان كونه صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة مانعاً من المفأجاة بالتعذيب بعذاب الاستئصال بها ، دل عليها بما يشاهدونه من باهر قدرته وغريب حكمته في صنعته ، فقال دالاً بالعاطف على غير معطوف عليه ظاهر على أن التقدير : فقد خلقناهم نطفاً ثم علقاً ثم مضغاً ثم أولدناهم لا يعلمون شيئاً ولا يقدرون على شيء ، ثم درجناهم في أطوار الأسنان معلين لهم في معارج القوى الظاهرة والباطنة إلى أن صاروا إلى حد الأشد - وهو استكمال القوى البشرية - فأوقفنا قواهم الظاهرة والباطنة ، فلم نجر العادة بأن نحدث فيهم إذ ذاك قوة لم تكن أيام الشباب : { ومن نعمره } أي نطل عمره إطالة كبيرة منهم بعد ذلك { ننكسه } وقراءة عاصم وحمزة بضم أوله وفتح ثانيه وكسر الكاف مشددة دالة على تفاوت الناس في النكس ، ولم يقل " في خلقه " لئلا يظن أن المراد أن المعمر له خلق أنشأه وأبدعه { في الخلق } أي فيما أبدعناه من تقدير بدنه وروحه أي نرده على عقبه نازلاً في المدارج التي أصعدناه فيها إلى أن تضمحل قواه الحسية فيكون كالطفل فلا يقدر على شيء ، والمعنوية فلا يعلم شيئاً ، ومن قدر على مثل هذا التحويل من حالة إلى أخرى لم تكن طرداً وعكساً قدر على مثل ما مضى من التحويل بلا فرق ، غير أنهم لكثرة إلفهم لذلك صيره عندهم هيناً ، ولقلة وجود الأول صيره عندهم بعيداً ، ولذلك سبب عن الكلام قوله : على الأسلوب الماضي في قراءة الجماعة ولفتاً إلى الخطاب عند المدنيين ويعقوب لأنه أقرب إلى الاستعطاف وإعلاماً بأن الوعظ عام لكل صالح للخطاب : { أفلا يعقلون * } وقال بعض العارفين : قيد بالخلق احترازاً عن الأمر ، فإن المؤتمر كلما زاد سنّاً ازداد لربه طاعة وبه علماً ، يعني أن النكس في البدن أمر لا بد منه ، وأما في المعارف فتارة وتارة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.