الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٞ} (2)

{ يَوْمَ تَرَوْنَهَا } منصوب بتذهل . والضمير للزلزلة . وقرىء «تذهل كل مرضعة » على البناء للمفعول : وتذهل كل مرضعة أي : تذهلها الزلزلة . والذهول : الذهاب عن الأمر مع دهشة

فإن قلت : لم قيل : { مُرْضِعَةٍ } دون مرضع ؟ قلت : المرضعة التي هي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبي . والمرضع : التي شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به فقيل : مرضعة ؛ ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة { عَمَّا أَرْضَعَتْ } عن إرضاعها ، أو عن الذي أرضعته وهو الطفل وعن الحسن : تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام ، وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام . قرىء { وَتُرَى } بالضم من أريتك قائماً . أو رؤيتك قائماً . و { الناس } منصوب ومرفوع ، والنصب ظاهر . ومن رفع جعل الناس اسم ترى ، وأنثه على تأويل الجماعة . وقرىء «سكرى » و«بسكرى » وهو نظير : جوعى وعطشى ، في جوعان وعطشان . وسكارى وبسكارى ، نحو كسالى وعجالى . وعن الأعمش «سكرى » و«بسكرى » بالضم ، وهو غريب . والمعنى : وتراهم سكارى على التشبيه ، وما هم بسكارى على التحقيق ولكن ما رهقهم من خوف عذاب الله هو الذي أذهب عقولهم وطير تمييزهم وردّهم في نحو حال من يذهب السكر بعقله وتمييزه . وقيل : وتراهم سكارى من الخوف ، وما هم بسكارى من الشراب .

فإن قلت : لم قيل أوّلا : ترون ، ثم قيل : ترى ، على الإفراد ؟ قلت لأنّ الرؤية أوّلاً علقت بالزلزلة فجعل الناس جميعاً رائين لها ، وهي معلقة أخيراً بكون الناس على حال السكر ، فلا بد أن يجعل كل واحد منهم رائياً لسائرهم .