{ الذين يَذْكُرُونَ الله } ذكراً دائباً على أي حال كانوا ، من قيام وقعود واضطجاع لا يخلون بالذكر في أغلب أحوالهم . وعن ابن عمر وعروة بن الزبير وجماعة : أنهم خرجوا يوم العيد إلى المصلى فجعلوا يذكرون الله ، فقال بعضهم : أما قال الله تعالى : { يَذْكُرُونَ الله قياما وَقُعُوداً } فقاموا يذكرون الله على أقدامهم . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : « من أحبّ أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله » وقيل : معناه يصلون في هذه الأحوال على حسب استطاعتهم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمران بن الحصين : « صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب ، تومىء إيماء » وهذه حجة للشافعي رحمه الله في إضجاع المريض على جنبه كما في اللحد . وعند أبي حنيفة رحمه الله أنه يستلقي حتى إذا وجد خفة قعد . ومحل { على جُنُوبُهُمْ } نصب على الحال عطفاً على ما قبله ، كأنه قيل قياماً وقعوداً ومضطجعين { وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السماوات والأرض } وما يدل عليه اختراع هذه الأجرام العظام وإبداع صنعتها وما دبر فيها بما تكل الأفهام عن إدراك بعض عجائبه على عظم شأن الصانع وكبرياء سلطانه . وعن سفيان الثوري أنه صلى خلف المقام ركعتين ثم رفع رأسه إلى السماء ، فلما رأى الكواكب غشي عليه ، وكان يبول الدم من طول حزنه وفكرته . وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم :« بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى النجوم وإلى السماء فقال : أشهد أنّ لك رباً وخالقاً ، اللهمّ اغفر لي ، فنظر الله إليه فغفر له » وقال النبي صلى الله عليه وسلم :« لا عبادة كالتفكر » وقيل : الفكرة تذهب الغفلة وتحدث للقلب الخشبية كما يحدث الماء للزرع النبات . وما جليت القلوب بمثل الأحزان ولا استنارت بمثل الفكرة . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم :« لا تفضلوني عل يونس بن متى فإنه كان يرفع له في كل يوم مثل عمل أهل الأرض » قالوا : وإنما كان ذلك التفكر في أمر الله الذي هو عمل القلب ، لأن أحداً لا يقدر أن يعمل بجوارحه في اليوم مثل عمل أهل الأرض { مَا خَلَقْتَ هَذا باطلا } على إرادة القول . أي يقولون ذلك وهو في محل الحال ، بمعنى يتفكرون قائلين . والمعنى : ما خلقته خلقاً باطلاً بغير حكمة ، بل خلقته لداعي حكمة عظيمة ، وهو أن تجعلها مساكن للمكلفين وأدلة لهم على معرفتك ووجوب طاعتك واجتناب معصيتك ؛ ولذلك وصل به قوله : { فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } لأنه جزاء من عصى ولم يطع .
فإن قلت : هذا إشارة إلى ماذا ؟ قلت : إلى الخلق على أن المراد به المخلوق ، كأنه قيل : ويتفكرون في مخلوق السموات والأرض ، أي فيما خلق منها . ويجوز أن يكون إشارة إلى السموات والأرض ؛ لأنها في معنى المخلوق . كأنه قيل : ما خلقت هذا المخلوق العجيب باطلاً . وفي هذا ضرب من التعظيم كقوله : { إِنَّ هذا القرءان يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ } [ الإسراء : 90 ] ويجوز أن يكون ( باطلاً ) حالاً من هذا . وسبحانك : اعتراض للتنزيه من العبث ، وأن يخلق شيئاً بغير حكمة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.