الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أُبَلِّغُكُمۡ رِسَٰلَٰتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمۡ وَأَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (62)

وقرئ : «أبلغكم » بالتخفيف .

فإن قلت : كيف موقع قوله : { أُبَلّغُكُمْ } ؟ قلت : فيه وجهان . أحدهما : أن يكون كلاماً مستأنفاً بياناً لكونه رسول رب العالمين . والثاني : أن يكون صفة لرسول .

فإن قلت : كيف جاز أن يكون صفة والرسول لفظه لفظ الغائب ؟ قلت : جاز ذلك لأن الرسول وقع خبراً عن ضمير المخاطب وكان معناه ، كما قال :

أَنَا الَّذِي سَمَّتْنيِ أُمِّي حَيْدَرَهْ ***

{ رسالات رَبّى } ما أوحي إليّ في الأوقات المتطاولة ، أو في المعاني المختلفة من الأوامر والنواهي والمواعظ والزواجر والبشائر والنذائر . ويجوز أن يريد رسالاته إليه وإلى الأنبياء قبله من صحف جدّه إدريس ، وهي ثلاثون صحيفة ، ومن صحف شيث وهي خمسون صحيفة { وَأَنصَحُ لَكُمْ } يقال نصحته ونصحت له . وفي زيادة اللام مبالغة ودلالة على إمحاض النصيحة وأنها وقعت خالصة للمنصوح له مقصوداً بها جانبه لا غير ، فرب نصيحة ينتفع بها الناصح فيقصد النفعين جميعاً ولا نصحية أمحض من نصيحة الله تعالى ورسله عليهم السلام { وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي من صفات الله وأحواله ، يعني قدرته الباهرة وشدّة بطشه على أعدائه ، وأن بأسه لا يردّ عن القوم المجرمين . وقيل : لم يسمعوا بقوم حلّ بهم العذاب قبلهم فكانوا آمنين لا يعلمون ما علمه نوح بوحي الله إليه ، أو أراد : وأعلم من جهة الله أشياء لا علم لكم بها قد أوحى إليّ بها .