إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أُبَلِّغُكُمۡ رِسَٰلَٰتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمۡ وَأَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (62)

{ أُبَلّغُكُمْ رسالات رَبّي } استئنافٌ مَسوقٌ لتقرير رسالتِه وتفصيلِ أحكامِها وأحوالِها وقيل : صفة أخرى لرسولٌ على طريقة : [ الزجر ]

أنا الذي سمّتني أمي حيدَرهْ *** [ ضِرْغامُ آجامٍ وليثٌ قَسورَهْ ]{[269]}

وقرئ أبْلِغُكم من الإبلاغ ، وجمعُ الرسالاتِ لاختلاف أوقاتِها أو لتنوّع معانيها ، أو لأن المرادَ بها ما أوحيَ إليه وإلى النبيين من قبله ، وتخصيصُ ربوبيتِه تعالى به عليه الصلاة والسلام بعد بيانِ عمومِها للعالمين للإشعار بعلة الحُكمِ الذي هو تبليغُ رسالتِه تعالى إليهم فإن ربوبيتَه تعالى به عليه الصلاة والسلام من موجبات امتثالِه بأمره تعالى بتبليغ رسالتِه تعالى إليهم { وَأَنصَحُ لَكُمْ } عطفٌ على أبلّغُكم مبينٌ لكيفية أداءِ الرسالةِ ، وزيادةُ اللامِ مع تعدّي النُصحِ بنفسه للدلالة على إمحاض النصيحةِ لهم وأنها لمنفعتهم ومصلحتِهم خاصةً ، وصيغةُ المضارعِ للدِلالة على تجدد نصيحتِه لهم كما يعرف عنه قوله تعالى : { رَبّ إِنّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً ونَهَارًا } [ نوح ، الآية 5 ] وقولُه تعالى : { وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ } عطفٌ على ما قبله وتقريرٌ لرسالته عليه الصلاة والسلام ، أي أعلم من جهة الله تعالى بالوحي ما لا تعلمونه من الأمور الآتيةِ ، أو أعلم من شؤونه عز وجل وقدرتِه القاهرةِ وبطشِه الشديدِ على أعدائه وأن بأسَه يُردّ عن القوم المجرمين ما لا تعلمون . قيل : كانوا لا يسمعون بقوم حل بهم العذابُ قبلَهم فكانوا غافلين آمنين لا يعلمون ما علِمه نوحٌ عليه السلام بالوحي .


[269]:الرجز للإمام علي بن أبي طالب في ديوانه ص 77؛ وأدب الكاتب ص 71؛ وخزانة الأدب 6/62؛ وبلا نسبة في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 1078؛ وهمع الهوامع 1/86.