قوله : { وَيَصْنَعُ الفلك } قيل : هذا حكايةُ حال ماضيه أي : في ذلك الوقت كان يصدق عليه أنه يصنع الفلك . وقيل : التقديرُ : وأقبل يصنع الفلك ، فاقتصر على قوله : " يَصْنَع " . قيل : إن جبريل أتى نُوحاً عليه السَّلام فقال : إنَّ ربَّك يأمُركُ أن تَصْنَعَ الفلك ، فقال : كيف أصنع ولست بنجَّارٍ ؟ فقال : إنَّ ربَّك يقولُ : اصْنَعْ فإنَّكَ بعَيْنِي ، فأخذ القدوم ، وجعل يصنعُ ولا يخطئ . وقيل : أوحى الله إليه يجعلها مثل جُؤجُؤ الطَّائر .
روي أنَّ نوحاً - عليه الصلاة والسلام - لمَّا دَعَا على قومهِ وقال : { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً } [ نوح : 26 ] استجاب الله دعاءه وأمره أن يَغْرِسَ شجرة ليعمل منها السفينة ؛ فغرسها وانتظرها مائة سنة ، ثم نجَّرها في مائة سنة أخرى .
وقيل : في أربعين سنة ، وكانت من خشب الساج . وفي التوراة أنها من الصنوبر .
قال البغويُّ - رحمه الله - أمره أن يجعل طولها ثمانين ذراعاً ، وعرضها خمسين ذراعاً ، وأن يطلي ظاهرها وباطنها بالقارِ وقال قتادة : كان طولها ثلثمائة ذراع{[18780]} [ وعرضها خمسين ذراعاً .
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - كان طولها ألفاً ومائتي ذراع في عرض ستمائة ذراع ]{[18781]} .
وقيل : ألف ذراعٍ في عرض مائة ذراعٍ .
واتفقوا كلهم على أنَّ ارتفاعها ثلاثون ذراعاً ، وكانت ثلاث طبقات كلُّ واحدة عشرة أذرع ، فالسفلى للدَّواب والوحوش ، والوسطى للنَّاس ، والعليا للطيور ، ولها غطاء من فوق يطبق عليها .
قال ابنُ الخطيب{[18782]} - رحمه الله - والذي نعلمه أنَّ السَّفينة كانت سعتها بحيث تسعُ المؤمنين من قومه ، ولما يحتاجون إليه ، ولحصول زوجين لكلّ حيوان ؛ لأنَّ هذا القدر مذكور في القرآن ، فأما تعيينُ ذلك القدر فغير معلوم .
قوله : " وَكُلَّمَا مَرَّ " العاملُ في " كُلَّمَا " " سَخِرَ " ، و " قَالَ " مستأنف ، إذ هو جوابٌ لسؤال سائل . وقيل : بل العامل في " كُلَّما " " قال " ، و " سَخِرُوا " على هذا إمَّا صفة ل " مَلأ " ، وإمَّا بدلٌ مِنْ " مرَّ " ، وهو بعيدٌ جدّاً ، إذ ليس " سَخِرَ " نوعاً من المرور ، ولا هو هو فكيف يبدل منه ؟ والجملةُ من قوله " كُلَّما " إلى آخره في محلِّ نصبٍ على الحالِ أي : يصنع الفلك والحالُ أنَّه كُلَّما مرَّ .
اختلفوا فيما كانوا لأجله يسخرون ، فقيل : إنهم كانوا يقولون له : كنت تدَّعي الرسالة ، فصرت نجَّاراً . وقيل : كانوا يقولون : لو كنت صادقاً في دعواك لكان إلهك يغنيك عن هذا العمل الشاق .
وقيل : إنَّهم كانُوا ما رَأوا السَّفينة قبل ذلك وما عرفوا كيفية الانتفاع بها ، فكانوا يتعجَّبُون منه ويسخرُون - وقيل : إنَّ تلك السَّفينة كانت كبيرة ، وكان يصنعها في موضع بعيد عن الماء جدّاً ، وكانوا يقولون له : ليس ههنا ماء ، ولا يمكنك نقلها لماءِ البحار ، فكانوا يُعدُّون ذلك من باب السخرية .
وقيل : إنَّه لمَّا طال مكثه فيهم ، وكان ينذرهم بالغرقِ ، وما شاهدُوا من ذلك المعنى خبراً ولا أثراً غلب على ظنونهم كذبه في ذلك النقل ، فلمَّا اشتغل بعمل السفينة ، سخرُوا منه ، وكل هذه الوجوه محتملة .
ثم إنَّه تعالى حكى عنه أنه كان يقول : { إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ } أي : مثل سخريتكُمْ إذا غرقتم في الدنيا ووقعتم في العذاب يوم القيامة . وقيل : إن حكمتم علينا بالجَهْلِ فيما نصنع فإنَّا نحكم عليكم بالجهلِ فيما أنتم عليه من الكفر ، والتَّعرض لسخطِ الله وعذابه ، فأنتم أولى بالسُّخرية مِنَّا .
فإن قيل : كيف تجُوزُ السخرية من النبي ؟ .
فالجوابُ : هذا ازدواج للكلام يعنى : إن تَسْتجْهلوني فإنِّي أستجهلكم إذا نزل بكم العذاب .
وقيل : معناه : إن تَسْخَرُوا منَّا فسترون عاقبة سخريتكم .
وقيل : سمى المقابلة سخرية كقوله { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.