اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَمۡ يَكُونُواْ مُعۡجِزِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَۘ يُضَٰعَفُ لَهُمُ ٱلۡعَذَابُۚ مَا كَانُواْ يَسۡتَطِيعُونَ ٱلسَّمۡعَ وَمَا كَانُواْ يُبۡصِرُونَ} (20)

{ أولئك لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ } .

قال الواحديُّ : " معنى الإعجاز المنع من تحصيل المراد ، يقال : أعجزني فلانٌ : أي : منعني من مرادي ، ومعنى { مُعْجِزِينَ فِي الأرض } أي : لا يمكنهم أن يهربُوا من عذابنا ، فإنَّ هربَ العبدِ من عذابِ الله - تعالى - محالٌ ؛ لأنَّه - تعالى - قادرٌ على جميع الممكنات " .

وقال ابنُ عبَّاس - رضي الله عنهما - " سَابقين " {[18733]} .

وقال مقاتلٌ : " فائتين " {[18734]} .

{ فِي الأرض وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَآءَ } يعني أنْصَاراً يحفظونهم من عذابنا .

{ يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب } أي : يُزادُ في عذابهم . وقيل : تضعيف العذاب عليهم لإضلالهم الغير .

وقيل سبب تضعيف عذابهم أنَّهُم كفروا بالبَعْثِ والنشور .

قوله : { مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع } يجوز في " ما " هذه ثلاثة أوجهٍ :

أحدها : أن تكون نافيةً ، نفى عنهم ذلك لمَّا لمْ يَنْتَفعُوا به ، وإن كانُوا ذوي أسماع وأبصار ، أو يكون متعلَّقُ السَّمْعِ والبصر شيئاً خاصاً .

والثاني : أن تكون مصدرية ، وفيها حينئذٍ تأويلان :

أحدهما : أنَّها قائمةٌ مقام الظرف ، أي : مُدة استطاعتهم ، وتكونُ " مَا " منصوبة ب " يُضاعَفُ " ، أي : لا يضاعفُ لهم العذابُ مُدة استطاعتهم السَّمْعَ والأبصار .

والثاني : أنَّها منصوبة المحلِّ على إسقاطِ حرف الجر كما يحذف من " أنْ " و " أنّ " اختيها ، وإليه ذهب الفرَّاءُ ، وذلك الجَارُّ متعلقٌ أيضاً ب " يُضَاعَفُ " أي : يضاعفُ لهم بكونهم كانوا يسمعون ، ويبصرون ، ولا ينتفعون .

والثالث : أن تكون " ما " بمعنى " الَّذي " ، وتكون على حذف حرف الجر أيضاً ، أي : بالذي كانوا ، وفيه بعدٌ لأنَّ حذف الحرفِ لا يطَّرد .

والجملة من قوله : " يُضاعَفُ " مستأنفة .

وقيل : إنَّ الضمير في قوله " مَا كَانُوا " يعودُ على " أوْليَاء " وهم آلهتهم ، أي : فما كان لهم في الحقيقةِ من أولياء ، وإن كانُوا يعتقدون أنَّهم أولياء ، فعلى هذا يكون { يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب } معترضاً .

فصل

احتجُّوا بهذه الآية على أنه سبحانه وتعالى قد يخلقُ في المكلف ما يمنعه من الإيمان .

روي عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - أنَّهُ قال : إنَّه تعالى منع الكافرين من الإيمان في الدنيا وفي الآخرة .

أمَّا في الدنيا ففي قوله { مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } .

وأمَّا في الآخرة ففي{[18735]} قوله - عز وجل - { وَيُدْعَوْنَ إِلَى السجود فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } [ القلم : 42 ] .


[18733]:ذكره البغوي في "تفسيره" (2/378).
[18734]:انظر المصدر السابق.
[18735]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (7/24) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/589) وزاد نسبته إلى أبي الشيخ وذكره البغوي في "تفسيره" (2/378).