قوله تعالى : { واصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا } .
" بأعْينِنَا " حالٌ من فاعل " اصْنَع " أي : محفُوظاً بأعيننا ، وهو مجازٌ عن كلاء الله له بالحفظ .
وقيل : المراد بهم الملائكة تشبيهاً لهم بعيون النَّاس ، أي : الذين يتفقَّدُونَ الأخبارَ ، والجمع حينئذٍ حقيقةٌ . وقرأ طلحةُ بنُ{[18779]} مصرف " بأعْيُنَّا " مدغمة .
قوله تعالى : { واصنع الفلك } الظَّاهر أنه أمر إيجاب ؛ لأنَّه لا سبيل إلى صون روح نفسه ، وأرواح غيره من الهلاكِ إلا بهذا الطريق ، وصون النَّفْسِ من الهلاك واجب ، وما لا يتم الواجب إلاَّ به فهو واجبٌ ، ويحتملُ أن يكون أمر إباحةٍ ، وهو بمنزلة أن يتخذ الإنسانُ لنفسه داراً يسكنها ، أو يكون ذلك تعليماً له ولمن بعده كيفية عمل السفينة ، ولا يكونُ ذلك من باب ما لا يتمُّ الواجب إلاَّ به ، فإنَّ الله - تبارك وتعالى - خلَّص موسى وقومه من الطُّوفان من غير سفينةٍ ، وكان ذلك معجزة له .
وأما قوله : " بأعْيُنِنَا " فلا يمكنُ إجراؤه على ظاهره لوجوهٍ :
أحدها : أنه يقتضي أن يكون لله أعين كثيرة ، وهذا يناقض قوله تعالى : { وَلِتُصْنَعَ على عيني } [ طه : 39 ] .
وثانيها : أنَّهُ يقتضي أن يصنع الفلك بتلك الأعين ، كقولك : قطعت بالسكين ، وكتبت بالقلم ، ومعلوم أن ذلك باطل .
وثالثها : أنَّه - تعالى - مُنَزَّه عن الأعضاء ، والأبعاض ؛ فوجب المصيرُ إلى التأويل ، وهو من وجوه :
الأول : معنى " بِأعْيُنِنَا " أي : بنزول الملك ؛ فيعرفه بخبر السفينة ، يقال : فلان عين فلان أي : ناظر عليه .
والثاني : أنَّ من كان عظيمَ العنايةِ بالشيء فإنه يضع عينه عليه ؛ فلمَّا كان وضع العين على الشَّيء سبباً لمبالغة الحفظ جعل العين كناية عن الاحتفاظ ، فلهذا قال المفسِّرون : معناه : بحفظنا إيَّاك حفظ من يراك ، ويملك دفع السُّوء عنك .
وحاصل الكلام أن عمل السَّفينة مشروط بأمرين :
أحدهما : أن لا يمنعه أعداؤه من ذلك العمل .
والثاني : أن يكون عالماً بكيفيَّة تأليف السَّفينة وتركيبها .
وقوله : " وَوَحْيِنَا " إشارة إلى أنَّه تعالى يوحي إليه كيفية عمل السَّفينة .
وقوله : { وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الذين ظلموا إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } فقيل : لا تطلب منِّي تأخير العذاب عنهم ، فإنِّي قد حكمتُ عليهم بهذا الحكم ، فلمَّا علمَ نوحٌ ذلك دعا عليهم بعد ذلك وقال : { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً } [ نوح : 26 ] . وقيل : " لا تُخَاطِبْنِي " في تعجيلِ العذابِ فإنِّي لمَّا قضيتُ عليهم إنزال العذاب في وقت معين كان تعجيله ممتنعاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.