اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا جَعَلۡنَا عَٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهَا حِجَارَةٗ مِّن سِجِّيلٖ مَّنضُودٖ} (82)

قوله : { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } قيل : المراد حقيقتهُ ، وقيل : المرادُ بالأمر العذابُ ، قال بعضهم : لا يمكن حملهُ هنا على العذاب ؛ لأن قوله : { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا } ، فالجعل هو العذاب فكان الأمر شرطاً ، والعذاب الجزاءُ ، والشرط غير الجزاء ، فالأمر غير العذاب ، فدلَّ على أن الأمر هو ضدُّ النهي ؛ ويدل على ذلك قول الملائكة : { إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ } [ هود : 70 ] فدل على أنَّهم أمروا بالذهاب إلى قوم لوط بإيصال العذاب إليهم .

فإن قيل : لو كان كذلك ، لقال : " فلما جاء أمرنا ، جعلوا عاليها سافلها " ، لأن الفعل صدر عن المأمور .

فالجواب : أن فعل العبد فعل الله تعالى ، وأيضاً : فالذي وقع إنَّما وقع بأمْر الله ، وبأقداره ، فلا يمتنع إضافته إلى الله تعالى ؛ فكما يحسُنُ إضافتهُ إلى المباشرين ، يحسنُ إضافته إلى المسَبِّب .

قوله : { عَالِيَهَا سَافِلَهَا } مفعولا الجعل الذي بمعنى التَّصْيير ، و " سِجِّيلٍ " قيل : هو في الأصل مركَّب من " سنك وكل " وهو بالفارسيَّة حجر وطين فعُرِّب ، وغُيِّرت حروفهُ ، كما عرَّبُوا الدِّيباج والدِّيوان والاستبرق . وقيل : " سِجِّيل " اسمٌ للسَّماء ، وهو ضعيفٌ أو غلطٌ ، لوصفه ب " مَنْضُودٍ " . وقيل : من أسْجَلَ ، أي : أرسل فيكون " فِعِّيلاً " ، وقيل : هو من التسجيل ، والمعنى : أنه ممَّا كتب الله وأسجل أن يُعذَّب به قوم لوط ، وينصرُ الأول تفسيرُ ابن عبَّاسٍ أنَّهُ حجرٌ وطين كالآجر المطبوخ{[18934]} وعن أبي عبيدة هو الحجر الصُّلب . وقيل : " سِجِّيل " موضع الحجارةِ ، وهي جبالٌ مخصوصة . قال تعالى : { مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } [ النور : 43 ] .

قال الحسن : كان أصل الحجر هو الطين فشددت{[18935]} .

و " مَنضُودٍ " صفةٌ ل " سِجِّيلٍ " . والنَّضد : جعلُ الشيء بعضهُ فوق بعضٍ ، ومنه { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } [ الواقعة : 29 ] أي : متراكب ، والمراد وصفُ الحجارة بالكثرة .


[18934]:ذكره البغوي في "تفسيره" (2/397).
[18935]:ذكره الطبري في "تفسيره" (7/93) والبغوي (2/397).