اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٞ وَدُودٞ} (90)

ثم قال : { واستغفروا رَبَّكُمْ } أي : من عبادة الأوثان ، ثُمَّ تُوبُوا إلى الله - عزَّ وجلَّ من البَخْس والنُّقصان { إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ } بأوليائه : " وَدُودٌ " الوَدُود : بناءُ مبالغة من ودَّ الشيء يوَدُّدُ وُدًّا ، وودَاداً ، ووِدَادَةً ووَدَادَةً أي : أحبًّه وآثره .

والمشهورُ " وَدِدْت " بكسر العين ، وسمع الكسائي " وَدَدْت " بفتحها ، والوَدُودُ بمعنى فاعل أي : يَوَدّ عباده ويرحمهم .

وقيل : بمعنى مفعولٍ بمعنى أنَّ عبادهُ يحبُّونه ويُوادُّون أولياءهُ ، فهم بمنزلة " المُوادِّ " مجازاً .

قال ابنُ الأنباري : الوَدُودُ- في أسماءِ الله تعالى- المُحِبُّ لعبادِهِ ، من قولهم : وَدِدْتُ الرَّجُلَ أوَدُّهُ .

قال الأزهريُّ{[18956]} - في " شرح كتاب أسماء الله الحسنى " - : ويجوزُ أن يكون " وَدُوداً فعُولاً بمعنى مفعول ، أي : إنَّ عبادهُ الصَّالحين يودونه لكثرة إفضاله وإحسانه على الخلق .

قال ابن الخطيب{[18957]} : واعلم أنَّ هذا التَّرتيب الذي رعاه شعيبٌ في ذكره الوجوه الخمسة ترتيبٌ لطيفٌ .

لأنَّهُ ذكر أولاً أنَّ ظهور البيِّنةِ له وكثرة الإنعام عليه في الظَّاهر والباطن يمنعه من الخيانة في وحي الله ، ويصده عن التَّهاون في تبليغه .

ثم بيًَّن ثانياً أنَه مواظب على العمل بهذه الدَّعوة ، ولو كانت باطلةً لما اشتغل هو بها مع اعترافهم بكون حَلِيماً رشيداً .

ثم بيَّن صحته بطريق آخر ، وهو أنَّه كان معروفاً بتحصيل موجبات الصلح ، والصَّلاح وإخفاء موجبات الفتنِ ، فلو كانت هذه الدعوة باطلة لما اشتغل بها ، ثمَّ لمَّا بيَّن صحة طريقته أشار إلى نفي المعارض وقال : لا تحملكم عداوتي على مذهبٍ ودين تقعُون بسببه في العذاب الشَّديد من الله ، كما وقع فيه أقوام الأنبياء المتقدمين ، ثم إنََّه لمَّا صحَّح مذهب نفسه بهذه الدلائل عاد إلى تقرير ما ذكره أولاً وهو التوحيد والمنع من البخس بقوله : { ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ } ثم بيَّن لهم أنَّ سبق الكفر والمعصية منهم لا ينبغي أن يمنعهم ن الإيمان والطَّاعة ؛ لأنَّه تعالى رحيمٌ ودودٌ يقبلُ الإيمان من الكافر والفاسق ؛ لأنَّ رحمته بعباده وحبه لهم يوجبُ ذلك ، وهذا تقرير في غاية الكمال .


[18956]:ينظر: تهذيب اللغة 14/434.
[18957]:ينظر: تفسير الفخر الرازي 17/39.