قوله : { لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ } العامَّةُ على فتح ياءِ المضارعة من " جرم " ثلاثيًّا . وقرأ الأعمشُ وابنُ وثابٍ بضمها من " أجرم " وقد تقدَّم [ هود 22 ] أنَّ " جَرَمَ " يتعدَّى لواحدٍ ولاثنين مثل : كسب ، فيقال : جَرَمَ زيدٌ مالاً نحو : كَسَبَهُ ، وجرمْتُه ذَنْباً ، أي : كسبته إياه فهو مثلُ كسب ؛ وأنشد الزَّمخشري على تعدِّية لاثنين قوله : [ الكامل ]
ولَقَدْ طَعَنْتُ أبَا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً *** جَرَمَتْ فَزارضةُ بعدهَا أنْ يَغْضَبُوا{[18953]}
فيكون الكاف والميم هو المفعول الأول .
والثاني : هو " أنْ يصيبكُم " أي : لا تَكْسِبَنَّكُم عداوتي إصابة العذاب وقد تقدًَّم أنَّ جَرَمَ وأجْرم بمعنى ، أو بينهما فرق .
ونسب الزمخشريُّ ضمَّ الياءِ من أجرم لابن كثير .
والعامَّةُ أيضاً على ضمِّ لام " مِثْلُ " رفعاً على أنَّه فاعل " يُصِيبَكُم " وقرأ مجاهدٌ{[18954]} والجحدريُّ بفتحها وفيها وجهان :
أحدهما : أنَّها فتحةُ بناء وذلك أنَّه فاعل كحاله في القراءة المشهورة ، وإنَّما بُني على الفتح ؛ لإضافته إلى غير متمكن ؛ كقوله تعالى :
{ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } [ الذاريات : 23 ] وكقوله : [ البسيط ]
لَمْ يَمْنَعِ الشُّرْبَ مِنْهَا غَيْرَ أنْ نَطَقَتْ *** حمَامَةٌ في غُصُونٍ ذاتِ أوْقَالِ{[18955]}
وقد تقدَّم تحقيقُ هذه القاعدة في الأنعام [ الأنعام : 94 ] .
والثاني : أنه نعتٌ لمصدر محذوف فالفتحة لإعراب ، والفاعل على هذا مضمرٌ يفسره سياقُ الكلام ، أي : يصيبكم العذاب إصابة مثل ما أصاب .
والمعنى : لا يكسبنكم " شِقَاقِي " خلافي : " أنْ يُصِيبكم " عذاب الاستئصال في الدنيا " مِثْلُ ما أصَابَ قوم نُوح " من الغرقِ ، وقوم هود من الريح ، وقوم صالح من الصَّيْحة والرَّجْفةِ ، وقوم لوط من الخسْفِ .
قوله : { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ } أتى ب " بَعِيد " مفراداً وإن كان خبراً عن جمع لأحد أوجهٍ : إمَّا لحذف مضاف تقديره : وما إهلاك قوم ، وإمَّا باعتبار زمانٍ ، أي : بزمانً بعيد ، فإنَّ إهلاك قوم لُوط أقرب الإهلاكات التي عرفها النَّاس في زمان شعيب ، وإمَّا باعتبار مكان ، أي : بمكان بعيد ؛ لأنَّ بلاد قوم لوطٍ قريبة من مدين ، وإمَّا باعتبار موصوفٍ غيرهما ، أي : بشيءٍ بعيد ، كذا قدّره الزمخشريُّ ، وتبعه أبو حيَّان ، وفيه إشكالٌ من حيثُ إنَّ تقديرهُ بزمانٍ يلزم منه الإخبارُ بالزَمان عن الجُثَّةِ . وقال الزمخشريُّ أيضاً ويجوز أن يُسَوِّي في " قَرِيب " و " بَعِيد " و " قَلِيل " و " كَثير " بين المذكِّر والمؤنَّث لورودها على زنةِ المصادر التي هي كالصَّهيل ، والنَّهيق ونحوهما .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.