اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيَٰقَوۡمِ ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ إِنِّي عَٰمِلٞۖ سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ مَن يَأۡتِيهِ عَذَابٞ يُخۡزِيهِ وَمَنۡ هُوَ كَٰذِبٞۖ وَٱرۡتَقِبُوٓاْ إِنِّي مَعَكُمۡ رَقِيبٞ} (93)

قوله تعالى : { ويا قوم اعملوا على مَكَانَتِكُمْ } الآية .

المكانةُ : الحالةُ التي يتمكن بها صاحبها من عمله ، أي اعملوا حال كونكم موصوفين بغاية المكنة والقدرة ، وكل ما في وسعكم ، وطاقتكم من إيصال الشر إليَّ فإني أيضاً عاملٌ بقدر ما آتانِي الله من القدرة . " سَوْفَ تَعْلَمُونَ " أيُّنا الجاني على نفسه ، والمخطي في فعله .

قوله : { مَن يَأْتِيهِ } تقدَّم نظيرهُ في قصة نوح . قال ابنُ عطيَّة{[18961]} - بعد أن حكى عن الفرَّاء أن تكون موصولة مفعولةً ب " تَعْلَمُون " - : " والأوَّلُ أحسنُ " ثم قال : " ويقْضَى بصلتها أن المعطوفة عليها موصولة لا محالة " .

وهي قوله : { وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ } .

قال أبُو حيَّان{[18962]} : " لا يتعيَّن ذلك ، إن من الجائزِ أن تكون الثَّانية استفهاميَّة أيضاً معطوفةً على الاستفهاميَّة قبلها ، والتقديرُ : سوف تعلمُونَ أيُّنَا يأتيه عذابٌ ، وأيُّنَا هو كاذبٌ " .

قال الزمشخريُّ{[18963]} : فإن قُلت : أيُّ فرقٍ بين إدخالِ الفاءِ ونزعها في " سَوْفَ تَعْلَمُونَ " ؟ .

قلت : إدخالُ الفاءِ وصلٌ ظاهرة بحرفٍ موضوع للوصل ، ونزْعُهَا وصلٌ خفيُّ تقديريٌ بالاستئناف الذي هو جوابٌ لسُؤالٍ مقدَّر كأنهم قالوا : فماذا يكون إذا عملنا نحنُ على مكانتنا ، وعملت أنت عما مكانتك ؟ فقيل سوف تعلمُون ، فوصل تارةً بالفاءِ ، وتارةً بالاستئناف للتَّفنُّن في البلاغةِ ، كما هو عادةُ البُلغاءِ من العربِ ، وأقوى الوصلين وأبلغُهُما الاستئنافُ " .

ثم قال : { وارتقبوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ } أي : وانتظرُوا العذاب إنّي معكُم منتظرٌ . والرقيب : بمعنى الرَّاقب من رقبه كالضَّريب والصَّريم بمعنى الضَّارب والصَّارم ، أو بمعنى المراقب ، أو بمعنى المرتقب كالفقير والرفيع بمعنى المفتقر والمترفع .


[18961]:ينظر: المحرر الوجيز 3/203.
[18962]:ينظر: البحر المحيط 5/257.
[18963]:ينظر: الكشاف 2/424.