قوله : { قَالُواْ يا شعيب مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ } .
قيل : المعنى : ما نفقه كثيراً ممَّا تقولُ ؛ لأنَّهُم كانوا لايلقون إليه أفهامهم لشدَّة نفورهم من كلامه ، كقوله : { وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } [ الأنعام : 25 ] وقيل : إنَّهم فهموه ، ولكنَّهم ما أقامُوا له وزناً ، فذكروا هذا الكلام على سبيل الاستهانة ، كقول الرَّجل لمنْ لم يعْبَأ بحديثه : ما أدري ما تقولُ .
وقيل : ما ندري حصة الدَّليل الذي ذكرته على صحَّةِ التوحيد والنُّبوةِ والبعث ، وما جيبُ من ترك الظُّلمِ والسرقة .
استدلُّوا بهذه الآية على أنَّ الفقه : اسمٌ لعلم مخصوص ، وهو معرفة غرض المتكلم من كلامه ؛ لأنه أضاف الفقه إلى القولِ ، ثم صار اسماً لنوع مُعيَّن من علوم الدين ، وقيل : إنَّه اسم لملطلق الفهم ، يقال : أوتي فلانٌ فقهاً في الدِّين ، أي : فَهْماً . قال عليه الصلاة والسلام : " يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ " {[18958]} أي : يفهمه تأويله .
ثم قال : { وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً } قيل : الضَّعيفُ الذي تعذر عليه منعُ القوم عن نفسه .
وقيل : هو الأعمى بلغة حمير وهذا ضعيفٌ ؛ لنه ترك للظاهر بغير دليل ، وأيضاً فقوله : " فِينَا " يُبطل هذا الوجه ؛ لأنَّهم لو قالوا : إنَّا لنراك أعْمَى فِينَا كان فاسداً ؛ لأنَّ الأعمى أعْمَى فيهم وفي غيرهم ، وأيضاً قولهم بعد ذلك " ولَوْلاَ رهْطُكَ لرجَمْناكَ " فنفوا عنه القُوَّة التي أثبتوها في رهطه وهي النُّصرة ؛ فوجب أن تكون القوة التي نفوها عنه هي النُّصرة .
واستدلّ بعضُ العلماءِ بهذه الآية على تجويزِ العمى على الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام- . وذلك اللَّفظ لا يدلُّ عليه ، لما بيَّناه .
قال بعضُ المعتزلةِ : لا يجوزُ العَمَى على الأنبياء ، فإنَّ الأعْمَى لا يمكنه التَّجوز عن النَّجاسات ، ولأنه يخل بجواز كونه حاكماً وشاهداً ؛ فلأنْ يُمْنَع من النبوَّةِ أوْلَى .
قوله : { وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ } " الرهط " جماعةُ الرجل . وقيل : الرَّهْط والرَّاهط لما دُون العشرة من الرَّجالِ ، ولا يقعُ الرَّهْطُ ، والعَصَب ، والنَّفَر ، إلاَّ على الرِّجالِ .
وقال الزمخشريُّ : " من الثَّلاثة إلى العشرة ، وقيل : إلى السِّبعةِ " ، ويجمع على " أرْهُط " و " أرْهُط " على " أرَاهِط " ؛ قال : [ مجزوء الكامل ]
يا بُؤسَ لِلْحَرْبِ الَّتِي *** وَضَعَتْ أرَاهِطَ فاسْتَراحُوا{[18959]}
قال الرُّمَّانِيُّ : وأصلُ الكلمة من الرَّهْط ، وهو الشدُّ ، ومنه " التَّرْهيطُ " وهو شدَّة الأكل والرَّاهِطَاء اسم لجحر من جِحَرة اليَرْبُوع ؛ لأنَّه يتوثَّقُ به ويَحْيَا فيه أولاده .
المعنى : ولولا حرمة رهطك عندنا لكونهم على ملتنا لرجمناك .
والرَّجْمُ في اللغة : عبارة عن الرّمي ، وذلك قد يكونُ بالحجارة عند قصد القتل ، ولمَّا كان هذا الرَّجم سبباً للقتل سموا القتل رَجْماً ، وقد يكون بالقول الذي هو القَذْفُ كقوله تعالى : { رَجْماً بالغيب } [ الكهف : 22 ] وقوله : { وَيَقْذِفُونَ بالغيب } [ سبأ : 53 ] ، وقد يكُونُ بالشَّتم واللعن ، ومنه الشيطان الرجيم ، وقد يكون بالطرد ، قال تعالى : { رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ } [ الملك : 5 ] فعلى هذه الوجوه يكون المعنى : لقتلناك ، أو لشتمناك وطردناك .
قوله : { وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } قال الزمخشريُّ{[18960]} " وقد دلّ إيلاءُ ضميره حرف النَّفي على أنَّ الكلام واقعٌ في الفاعل لا في المفعول كأنَّهُ قيل : وما أنت بعزيز علينا بل رَهْطُك هم الأعزَّة علينا ؛ فلذلك قال في جوابهم : " أرَهْطي أعزُّ عليْكُم مِنَ اللَّهِ " ولو قيلَ : " ومَا عَزَزْتَ عليْنَا " لم يصحَّ هذا الجوابُ " .
والمعنى : أنك لمَّ لمْ تكن علينا عزيزاً ، سهل علينا الإقدامُ على قتلك وإيذائك .
واعلم أنَّ الوجوه التي ذكروها ليست مانعةً لما قرره شعيبٌ من الدَّلائل ، بل هي جارية مجرة مقابلة الدلي والحجة بالشتم والسَّفاهة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.