اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ ٱلۡكَبِيرُ ٱلۡمُتَعَالِ} (9)

قوله : { عَالِمُ الغيب } يجوز أن يكون مبتدأ ، وخبره : " الكَبيرُ المتعَالِ " ، وأن يكون خبراً لمبتدأ محذوفٍ ، أي : هو عالمٌ .

وقرأ زيد بن عليى " عَالِمَ " نصباً على المدحِ .

ووقف ابنُ كثير ، وأبو عمرو في رواية على ياءِ " المُتعَالِ " وصلاً ووقفاً ، وهذا هو الأشهر في لسانهم ، وحذفها الباقون وصلاً ووقفاً لحذفها في الرَّسم .

واستسهل سيبويه حذفها الفواصل ، والقوافي ، ولأنَّ " ألْ " تعاقب التنوين ، فحذفت معها إجراء لها مجراها .

فصل

قال ابن عباس رضي اكلله عنه : يريد علم ما غاب عن خلقه وما شاهدوه .

قال الواحديُّ : " فعلى هذا " الغَيْب " مصدر يرادُ به الغائب ، والشهادة أراد بها الشَّاهد " .

واختلفوا في المراد بالغائب ، والشَّاهد ؛ فقيل : المراد بالغائب : [ المعدوم ] ، وبالشَّاهد : الموجود . وقيل : الغائب مالا يعرفه الخلق .

واعلم أنَّ المعلومات قسمان : المعدمات ، والموجودات .

والمعدومات منهنا معدوماتٌ يمتنع وجودها ، ومعدومات لا يمتنع وجودها .

والموجودات قسمان : موجودات يمتنع عدمها ، وموجودات لا يمتنع عدمها ، وكل واحدٍ من هذه الأقسام الأربعة له أحكام ، وخواص ، والكل معلوم لله تعالى .

قال إمامُ الحرمين : الله تعالى معلوماتٌ لا نهاية لها وله في كل واحد من تلك المعلومات معلومات أخرى لا نهاية لها ؛ لأن الجوهر الفرد يعلم الله تعالى من حاله أنه يمكن وقوعه في أحياز لا نهاية لها على البدل ، وموصوف بأوصاف لا نهاية لها على البدل ، وهو تعالى عالمٌ بكلِّ الأحوال على التفصيل وكل هذه الأقسام داخلة تحت قوله : { عَالِمُ الغيب والشهادة } .

ثم قال : " الكَبِيرُ المُتعَالِ " وهو تعالى يمتنع أن يكون كبيراً بحسب الجثَّة والمقدار ؛ فوجب أن يكون كبيراً بحسب القدرة الإلهيَّة ، و " المُتعَالِ " المتنزه عن كلِّ ما لا يجوز عليه في ذاته ، وصفاته .